ماذا تعني عودة ترامب للحرب في المنطقة؟

ينتظر ترامب هذه المرة شرق أوسط أكثر خطورة وأقل قابلية للاستقرار. لكنّ إنهاء الحرب والاستفادة من تجارب سياسته في المنطقة أثناء رئاسته الأولى ضروريان لتحقيق رؤيته لشرق أوسط تستطيع واشنطن تقليل انخراطها فيه.

انتخبت الولايات المتحدة دونالد ترامب لقيادتها في السنوات الأربع المقبلة. إن حجم القضايا الدولية الساخنة، التي يرثها ترامب من سلفه جو بايدن يجعل من صياغة سياسة خارجية قادرة على التأثير فيها تحدياً كبيراً أمامه. ومن بين هذه القضايا الحرب الدائرة في الشرق الأوسط منذ أكثر من عام. حقيقة أن السياسة الخارجية للإدارات الأمريكية المتعاقبة مع إسرائيل لا تتأثر بشكل جوهري بالهوية الحزبية لحاكم البيت الأبيض، تُساعد في تقدير العناوين العريضة للسياسة التي سينتهجها ترامب تجاه تل أبيب. مع ذلك، فإن الحرب تفرض تحديات غير مألولة على هذه السياسة وأن ظلّت الثوابت الراسخة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تتحكم بها. إن التساؤل الأكثر أهمية في المنطقة يدور الآن حول ما يعنيه فوز ترامب لمستقبل الحرب والقضية الفلسطينية عموماً ولبنان والصراع الإسرائيلي الإيراني. 

كانت النقاشات، التي صاحبت فترة ما قبل الانتخابات بخصوص تأثيرها على الشرق الأوسط، مُضللة إلى حد مُعين. فهي من جانب، أعطت انطباعاً مخادعاً لجهة أن فوز ترامب سيُطلق يد إسرائيل في مواصلة هذه الحرب حتى تحقيق أهداف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط. ليس لأن مثل هذا الانطباع غير واقعي، بل لأن إسرائيل ما كان بمقدورها مواصلة الحرب حتى اليوم لولا غطاء إدارة الرئيس جو بايدن لها. ومن جانب آخر، أوجدت تصوراً مضللاً لجهة أن كامالا هاريس ستنتهج سياسة معاكسة تماماً لبايدن في الحرب. على مدى الأشهر الماضية، تسببت السياسة المخادعة لبايدن في إطالة أمد الحرب وتشجيع عدوانية إسرائيل في غزة ولبنان. ولم تبذل إدارته الكثير من الجهد للضغط على نتنياهو للحد من الكارثة الإنسانية الهائلة التي سببتها الحرب للفلسطينيين في غزة. ونُظر إلى التوقيت الانتخابي الأمريكي للحرب على أنه أحد الأسباب الرئيسية التي كبلت قدرة بايدن على لعب دور فعال لإنهائها.

وبمعزل عما إذا كان هذا السبب واقعياً، فإنه لا يُعفي بأي حال الولايات المتحدة من المسؤولية الأخلاقية والسياسية في إيصال المنطقة إلى هذا الوضع الخطير. ولا يرجع ذلك إلى سياسة بايدن الضعيفة فحسب بل إلى سنوات وعقود من الإدارة الأمريكية الفاشلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لا يتحمل بايدن وحده المسؤولية عن هذا الفشل، لكنّه سياسته في الحرب ضاعفت من آثار هذا الفشل. الآن، ومع انتهاء الانتخابات، تواجه الولايات المتحدة لحظة الحقيقة في الشرق الأوسط. وسيتعين على ترامب الاختيار بين تبني سياسة أكثر وضوحاً في دعم إسرائيل في الحرب، وبالتالي إطالة أمدها ومفاقمة مخاطر انزلاقها إلى حرب بين إسرائيل وإيران، أو الضغط باتجاه وضع حد لها وإظهار أن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على لعب دورها كضابط إيقاع للصراعات والتوازنات الإقليمية. 

كون الولايات المتحدة لا تزال القوة العالمية الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط والدولة الوحيدة التي لديها نفوذ قوي على تل أبيب، فإنها تتحمل مسؤولية أخلاقية واضحة لوضع حد للمأساة الإنسانية الكبيرة التي سبّبتها الحرب الإسرائيلية للفلسطينيين واللبنانيين على حد سواء، ومسؤولية سياسية لمنع تحول الحرب إلى صراع إقليمي واسع النطاق. حتى تولي ترامب مهامه بعد نحو ثلاثة أشهر، فإنه من غير المتصور أن نرى سياسة أمريكية أكثر تأثيراً في الدفع باتجاه إنهاء الحرب. وقد تكون فترة الثلاثة أشهر الأكثر خطورة في الحرب لأن نتنياهو سيكون فيها أكثر تحرراً من أي قيد أمريكي مقارنة بالفترة السابقة. إن إقدام نتنياهو ليلة الانتخابات الأمريكية على إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت يُعطي صورة واضحة عن الكيفية التي سيسعى فيها لاستثمار فترة الثلاثة أشهر من أجل تحقيق أقصى قدر من أهداف الحرب في غزة ولبنان قبيل تولي الرئيس الأمريكي الجديد مهامه. وهذا يعني مزيداً من الاندفاعة الإسرائيلية في غزة وضد حزب الله في لبنان وربما مزيداً من الاندفاعة الإسرائيلية في تصعيد مخاطر الصراع مع إيران. 

وحتى لو كان ترامب راغباً في وضع نهاية للحرب، فإن سيناريوهات اليوم التالي لنهايتها لا تقل تعقيداً عن الكيفية التي يُمكن أن يتم فيها وقف إطلاق النار. من الصعب توقع ما إذا كان النهج العدائي الشديد، الذي أظهره ترامب في رئاسته الأولى، تجاه القضية الفلسطينية من خلال مشروع “صفقة القرن” سيُترجم في ولايته الجديدة عبر التماهي مع رؤية نتنياهو وشركائه المتطرفين الذين يُريدون ضم الضفة الغربية وإعادة الاحتلال لقطاع غزة، أو التركيز على توفير الظروف الملائمة لإبرام صفقة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. ومن الواضح أن جهود الصفقة تواجه عقبتين رئيسيتين، الأولى أن نتنياهو يولي أهمية لمشروعه في غزة والضفة الغربية بقدر أكبر من التطبيع مع الرياض. والثاني أن الرياض تُرهن التطبيع بمسار موثوق يؤدي إلى تحقيق حل الدولتين.

وبالنسبة للصراع الإسرائيلي الإيراني، فإن رغبة ترامب في تقليل الانخراط الأمني الأمريكي في الشرق الأوسط تفرض عليه الموازنة بين العودة إلى استراتيجية الضغط الأقصى على طهران وبين الحد من مخاطر انزلاق الصراع بين طهران وتل أبيب إلى حرب مباشرة. حتى تولي ترامب مهامه، فإن فترة الثلاثة أشهر قد تكون الأكثر خطورة في مسار الصراع الإسرائيلي الإيراني في حقبة ما بعد حرب السابع من أكتوبر. إن أولوية إسرائيل المتمثلة في الاستفادة من الحرب الراهنة من أجل إعادة تشكيل التهديد الذي تُشكله إيران لها، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى وضع شرق أوسطي أكثر خطورة على الولايات المتحدة بعد تسلم ترامب مهام السلطة في يناير كانون الثاني الماضي. 

إقرأ أيضاً: