بينما تستعد الولايات المتحدة للتصويت الثلاثاء في انتخابات ستُحدد مستقبلها، فإن نتائجها ستُعيد تشكيل علاقات واشنطن بالعديد من حلفائها وخصومها على حد سواء. وتبرز تركيا كأحد الحلفاء الذين سيتأثرون بنتائج الانتخابات بمعزل عن هوية الرئيس الأمريكي المقبل. عند المفاضلة بين دونالد ترامب وكامالا هاريس، فإن الاعتقاد السائد هو أن الرئيس رجب طيب أردوغان يُفضل عودة ترامب إلى البيت الأبيض. ويستمد هذا الاعتقاد قوته من أربع حقائق في العلاقات التركية الأمريكية.
الأولى، وهي الأكثر أهمية، أن رئاسة ترامب، التي امتدت بين عامي 2016 و2020، شهدت تطورات إيجابية في العلاقات رغم أنها لم تخلوا من بعض المحطات الصعبة مثل أزمة القس برونسون التي كان لها عواقب كبيرة لفترة وجيزة. فقد استطاع الرئيسان ترامب وأردوغان إقامة علاقة عمل وثيقة على المستوى الشخصي. ومن نتائجها البارزة التفاهم الذي أبرمته واشنطن وأنقرة في عام 2019، والذي أتاح لتركيا شن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية وانتزاع أردوغان وعداً من ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا. مع أن القوات الأمريكية بقيت موجودة في سوريا خلال رئاسة ترامب وحتى اليوم، إلآّ أن الأخير خفّض بالفعل عدد هذه القوات، وأبدى على الأقل إقراراً علنياً بأن الوحدات الكردية تُشكل مُشكلة لتركيا. ويُعتقد الآن أن عودة مُحتملة له تُعزز فرص تعاون أكثر فعالية بين أنقرة وواشنطن في ملف الوحدات.
أما الحقيقة الثانية، فهي أن ترامب أبدى تقديراً لقيمة الشراكة مع تركيا بقدر أكبر مما فعله خلفه جو بايدن وما يُمكن أن تفعله كامالا هاريس. لقد استقبل ترامب أردوغان في البيت الأبيض في عام 2019 وهو ما لم يفعله بايدن طيلة ولايته الرئاسية في خروج عن المألوف في العلاقات بين حليفين تجمعها شراكة استراتيجية مُمتدة لعقود طويلة. ومن الحجج الأخرى، التي تدعم تفضل تركيا لترامب، أن الأخير تجنّب انتقاد أردوغان وطريقة حكمه بالطريقة التي فعلها الرؤساء الديمقراطيون مثل بايدن وباراك أوباما. وفي الغالب، يُفسر المعلقون الأمريكيون هذه الحالة بأنها تنسجم مع تودد ترامب للرؤساء المستبدين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون رغم أن إسقاط هذا الوضع على حالة أردوغان تتجاهل في الواقع حقيقة أن الديمقراطية في تركيا مُترسخة في السياسة الداخلية حتى مع الأخذ بعين الاعتبار المآخذ على كيفية إدارة أردوغان. ويُمكن أن نتصور أن عودة ترامب للسلطة ستقوض على الأقل من تأثير هذه المسألة على العلاقات.
وتتمثل الحقيقة الثالثة في أن العلاقات التركية الأمريكية في ظل الرؤساء الديمقراطيين كانت تميل إلى التوتر بقدر أكبر بكثير من الاستقرار. ملف الوحدات الكردية على سبيل المثال، برز كإشكالية كبيرة في العلاقات خلال الولاية الثانية لأوباما عندما أسس العلاقة مع الوحدات والوجود العسكري الأمريكي في سوريا. علاوة على ذلك، فإن تردد إدارة أوباما في إظهار الدعم السريع والواضح للديمقراطية في تركيا بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في عام 2016، عمّق من فقدان الثقة بين أنقرة وواشنطن. إلى جانب ذلك، فإن فترة بايدن شهدت خروجاً عن المألوف في التعاطي الأمريكي مع مسألة “الإبادة الأرمنية” المزعومة عندما اعترف بها في بداية رئاسته. وأثناء ولايته أيضاً، شهدت السياسة الأمريكية في القضية القبرصية انحرافاً مع تعميق واشنطن لعلاقاتها مع قبرص الجنوبية وتأسيس وجود عسكري استراتيجي في اليونان. لأن هاريس ستواصل نهج بايدن في إدارة هذه المسائل، فإن فوز ترامب يبقى خياراً مفضلاً لتركيا حتى لو لم يُجري الأخير تعديلاً كبيراً على هذا النهج.
أما الحقيقة الرابعة فتتمثل في أن نهج ترامب الأقل عدوانية تُجاه روسيا مقارنة بالديمقراطيين، يُساعد أنقرة في مواصلة تفاعلاتها مع موسكو بضغط أمريكي أقل. بالنظر إلى أن هاريس ستواصل نهج بايدن في مواصلة الانخراط القوي في دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا وفي استراتيجية عزل موسكو عالمياً، فإن فوزاً محتملاً لها سيرفع تكاليف العلاقة مع روسيا على تركيا. في ضوء هذه الحقائق الأربع يُمكن أن نتصور أن فوزاً محتملاً لترامب سيكون خبراً ساراً في أنقرة. مع ذلك، يتجاهل هذا التصور الديناميكيات الثابتة التي تُدير العلاقات التركية الأمريكية منذ سنوات طويلة بمعزل عن الرئيس الذي يحكم البيت الأبيض. فمن جانب، لا تزال القضايا، التي تُشكل محور خلاف رئيسي بين أنقرة وواشنطن مثل السياسة الأمريكية في سوريا والموقف الأمريكي من قضايا الشرق الأوسط عموماً والعلاقات الأمريكية مع اليونان وقبرص الجنوبية، تُشكل عقبات رئيسية وبحاجة إلى حوار مُعمق. وحتى في ظل رئاسة ترامب الأولى، فإنه لم يفعل الكثير من أجل معالجة هذه القضايا.
وهذا يعكس المُشكلة الرئيسية، التي تواجه العلاقات التركية الأمريكية خصوصاً في العقد والنصف الأخيرين والمتمثلة في ضعف عملية إدارة الخلافات. لقد أعادت إدارة بايدن مؤخراً تنشيط آلية الحوار الاستراتيجي وأثمرت هذه الخطوة بعض التقدم في العلاقات مثل الموافقة على صفقة بيع تركيا مقاتلات إف ستة عشر، لكنّ هذا التقدم كان نابعاً بدرجة أساسية من حاجة واشنطن إلى إزالة اعتراض تركيا على عضوية فنلندا والسويد في حلف الناتو. قد تؤدي عودة ترامب إلى تنشيط آلية الحوار الاستراتيجي بشكل أفضل. سواء كان ترامب أو هاريس في البيت الأبيض، فإن العلاقات التركية الأميركية المعقدة على المستوى المتعدد الأطراف تحتاج بشكل مثالي إلى إدارة ماهرة للأزمات، وتحسين التعاون والعودة إلى الحوار الذي أهمله بايدن في السنوات الأربع الماضية. إن الرهان التركي على ترامب من أجل إعادة تنشيط العلاقات التركية الأمريكية ينبغي أن يكون واقعياً وأن لا يتجاهل حقيقة أن ترامب قد لا يكون قادراً على اتخاذ خطوات جريئة في العلاقات مثل إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا.