مضت ثلاثة أسابيع على اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران. وعلى الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين توعدوا منذ تلك الفترة برد انتقامي قاسي على إسرائيل، إلآّ أن إيران لا تزال تتريّث في الرد. على عكس الفترة الزمنية بين الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق في أبريل نيسان الماضي والهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، والتي لم تتجاوز الأسبوعين، فإن طهران لا تبدو هذه المرّة في عجلة من أمرها لتنفيذ الانتقام. وقال المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني علي محمد نائيني إن فترة الانتظار للرد قد تطول. وعلى الرغم من أن التريّث الإيراني يرجع في الظاهر إلى الحرب النفسية المُصممة لإبقاء إسرائيل والمنطقة في حالة من عدم اليقين بشأن الرد لفترة طويلة، وإلى رغبة طهران في تعظيم فرص نجاح مفاوضات التوصل إلى صفقة بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، إلآّ أن هذا التريّث يتعلق بدرجة أساسية بحسابات المخاطر.
لقد حذرت إسرائيل طهران من أن مُهاجمتها مرّة أخرى سيدفعها إلى رد قوي ضدّها. كما أرسلت الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة المزيد من الأصول العسكرية إلى المنطقة في مسعى لردع نشوب حرب إقليمية ولتحذير إيران من عواقب اللعب على حافة الهاوية في الصراع. ويعتقد الإيرانيون – وقد يكونوا على حق – أن واشنطن، التي تقول إنها لن تتردد في الدفاع عن إسرائيل في أي هجوم عليها، ستفعل كل ما بوسعها لمنع تصعيد الصراع. مع ذلك، لا يبدو من الحكمة الرهان على نفوذ الولايات المتحدة على إسرائيل لخفض مخاطر الحرب الإقليمية لأن إدارة الرئيس جو بايدن تواجه بالفعل صعوبات كبيرة في التأثير على قرارات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لقد نفت واشنطن أي علم مسبق لها بالتخطيط لاغتيال هنية، وهو ما يُعزز حقيقة أن نتنياهو أصبح أكثر جرأة في مواصلة اللعب على حافة الهاوية مع إيران منذ أبريل نيسان الماضي. علاوة على ذلك، فإن الرهان الإيراني على استخدام التلويح بالرد الانتقامي كوسيلة ضغط على نتنياهو للقبول بصفقة مع حماس لوقف إطلاق النار، لا يبدو واقعياً. وإذا كان نتنياهو يسعى بالفعل لتوريط إيران في الحرب، فإنه من غير المتصور أن يمنحها فرصة للعودة إلى لعبتها المفضلة في الصراع.
إن تصعيد نتنياهو للمواجهة مع إيران وحزب الله بعد اغتيال هنية والقائد الكبير في الحزب فؤاد شكر في بيروت، لا يضع طهران وحليفها في مأزق الرد فحسب، بل واشنطن أيضاً. وقد أظهر المسار الإقليمي لحرب السابع من أكتوبر منذ الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق أن الولايات المتحدة تفقد بشكل متزايد قدرتها في مواصلة لعب دورها كضابط إيقاع لمنع انتشار أكبر للحرب في الشرق الأوسط. وهذا الوضع، ينبغي أن يُشكل عامل قلق للإيرانيين على وجه الخصوص. ويبدو أنه لعب دوراً رئيسياً في دفع إيران إلى التريث لوقت أطول في الانتقام لاغتيال هنية على أراضيها. إذا كان نتنياهو يسعى بالفعل إلى توريط إيران في الحرب، فإن هجوماً إيرانياً مباشراً جديداً على إسرائيل قد يُحقق هدفه في نهاية المطاف. كما أن التراجع عن الرد لتجنب الوقوع في فخ نتنياهو، سيُظهر إحدى أخطر نقاط الضعف الإيرانية في الصراع مع إسرائيل.
تبدو إيران في وضع غير مناسب لأن جميع الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع لعبة نتنياهو الخطيرة تنطوي جميعها على مخاطر كبيرة. لكنّ أولوياتها الرئيسية لا تزال تتمثل بتجنب التورط في صراع إقليمي مباشر. منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر، ارتكزت الاستراتيجية الإيرانية على الانخراط بالوكالة فيها عبر حلفائها المنتشرين في المنطقة من حزب الله في لبنان إلى الجماعات الشيعية المسلحة في العراق وسوريا وصولاً إلى الحوثيين في اليمن. وقد صُممت هذه الاستراتيجية بدرجة أساسية لإبقاء إيران بعيدة عن التورط المباشر. لكن نتنياهو يسعى إلى رفع التكاليف على الانخراط الإيراني بالوكالة من خلال جر طهران إلى التورط المباشر في الحرب. مع ذلك، فإن الطريقة التي اغتيل بها هنية في طهران وتجنب إسرائيل حتى الآن تبني المسؤولية عن الاغتيال يتركان في الواقع هامشاً للإيرانيين لتجنب أي رد عسكري يجلب المخاطر على غرار هجوم نيسان.
مع ذلك، هناك مُعضلة أخرى تواجه إيران في هذه المسألة وتتمثل بحزب الله في لبنان. في حين أن الإيرانيين لا يزال لديهم هامش للمناورة في لعبة المخاطر مع نتنياهو، فإن حزب الله مضطر هذه المرة للقيام برد فعل عسكري قوي على اغتيال فؤاد شكر من أجل إعادة قواعد الاشتباك التي كانت سائدة قبل ذلك. وأي تردد في الرد سيُشجع الإسرائيليين على تصعيد هجماتهم ضد الحزب في لبنان. وقد أظهرت الهجمات الإسرائيلية الأوسع نطاقاً والأكثر عمقاً في لبنان في الآونة الأخيرة أن نتنياهو يُدرك بشكل متزايد نقطة ضعف حزب الله الرئيسية والمتمثلة في حذره من جلب حرب شاملة عليه. كما أن طهران، وعلاوة على أنها لا تُفضل تصعيداً كبيراً للصراع يُمكن أن يُشكل تهديداً أكثر خطورة لحليفها في لبنان، فإن احتمال توسع الحرب بين إسرائيل وحزب الله يُمكن أن يجر إيران في النهاية إلى التورط فيها.