لا تزال المنطقة تترقب الرد العسكري المنتظر من إيران وحلفائها على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران نهاية الشهر الماضي (ولم تتبناه إسرائيل صراحة حتى الآن) واغتيال فؤاد شكر الذي يوصف بالرجل الثاني في حزب الله في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت في الشهر نفسه. وفي مؤشر على الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة في احتواء مخاطر دائرة الانتقام الجديدة بين إسرائيل وإيران، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في الثامن من أغسطس آب الجاري أن واشنطن حذرت طهران من أن حكومتها المنتخبة حديثا واقتصادها قد يتعرضان لضربة مدمرة إذا ما شنت هجوماً كبيراً على إسرائيل.
وحتى ما قبل ورود هذا التحذير، فإن إيران وحلفائها في المنطقة لا سيما حزب الله في لبنان، لا يزالون يتريثون في تنفيذ ردهم الانتقامي. ويرجع هذا التريث على الأرجح إلى ثلاثة أسباب رئيسية، أوّلها، قياس الفوائد والتكاليف المتصورة للرد وفق كل شكل من أشكاله المطروحة مع تقدير الحدود، التي يُمكن أن تصلها إسرائيل في الرد على الرد، ومدى استعداد الولايات المتحدة لتعميق تورطها العسكري في الصراع. وثانيها رغبة طهران في إشراك دبلوماسية القنوات الخلفية في تشكيل ردّها والرد الإسرائيلي بعد ذلك لتعزيز عملية إدارة المخاطر ولتعظيم الأثمان التي تتطلع إليها مقابل رد لا يتجاوز من حيث الشكل والتأثير هجوم نيسان. وثالثها، لعبة الانتظار كجزء من الحرب النفسية في هذه المواجهة.
مع ذلك، فإن العقبة الرئيسية، التي تواجه فرص احتواء دائرة التصعيد الجديدة على غرار تصعيد نيسان، تتمثل في العواقب المُحتملة لانخراط حزب الله في الرد المنتظر، وهي المسألة الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل لاعتبارين، أوّلهما أن رد حزب الله قد يؤدي بالفعل إلى وقوع خسائر كبيرة بالنسبة للإسرائيليين. وفي أفضل السيناريوهات، فإن هذه الخسائر ستتركز على أهداف عسكرية. وفي كلتا الحالتين، فإن من غير المُرجح أن تتسامح إسرائيل مع رد حزب الله مقارنة بتعاملها المحتمل مع الهجوم الإيراني المباشر في حال لم يخرج عن سياق هجوم نيسان. والاعتبار الثاني أن ظروف توسيع الحرب على الجبهة الشمالية متوفرة إلى حد كبير. كما أن المحاذير التي تمنعها، أقل بكثير من المحاذير التي تمنع نشوب حرب بين إسرائيل وإيران. لا تزال الولايات المتحدة تلعب دور الضامن الرئيسي لمنع تحول حرب السابع من أكتوبر إلى حرب إقليمية. لكنّ قدرتها في إدارة مخاطر الصراع بين إسرائيل وحزب الله تبدو أضعف.
بات من المؤكد وفق تصريحات المسؤولين الإيرانيين وأمين عام حزب الله حسن نصر الله أن طهران سترد على اغتيال هنية وأن حزب الله سيرد على اغتيال شكر. لكنّ المؤكد أيضاً أن طهران لا تسعى إلى رد يورطها مباشرة في الحرب أو يُفاقم المخاطر على حزب الله. وكما أن الهجوم الإيراني على إسرائيل في نيسان أظهر حدود الانخراط الإيراني في الحرب، فإن الهجوم الجديد المنتظر سيُعزز على الأرجح هذه الحدود. مع ذلك، تظهر 3 تحديات رئيسية أمام طهران للحفاظ على هذه الحدود.
الأول، أن الإيرانيين تورطوا بالفعل في اللعب على حافة الهاوية منذ الهجوم الصاروخي المباشر الذي نفذوه على إسرائيل في أبريل نيسان الماضي. واغتيال هنية في طهران أظهر أن هجوم نيسان لم يُحقق هدفه في ردعها عن محاولة جر إيران إلى الحرب. وأي هجوم جديد – كي يُحقق هذا الهدف – ينبغي أن يرفع التكاليف على اللعبة الإسرائيلية وهو ما يعني تصعيد المخاطر بدلاً من الحد منها.
والثاني، تقلص الخيارات المتاحة لدى حزب الله للخروج من حالة الاستنزاف ولتجنب نفسه مخاطر الحرب الواسعة. لا يزال الحزب يُفضل التعايش مع حالة الاستنزاف التي يواجهها على مستوى الأفراد والقادة على المخاطرة في التورط بشكل أكبر في الحرب. لكنّ اغتيال فؤاد شكر أظهر أن إسرائيل يُمكن أن تذهب أبعد من ذلك في استراتيجية استنزاف الحزب إذ لم يُظهر الأخير مزيداً من استعراض القوة. وهذا بدوره يُصعد المخاطر عليه بدلاً من الحد منها.
والثالث، أن اغتيال هنية قلّص الرهان على إمكانية إبرام تسوية قريبة للحرب على غزة تبدو حاجة للإيرانيين لتقليل مخاطر التورط المباشر في الحرب ولحزب الله للحد من حرب الاستنزاف. علاوة على ذلك، فإن تولي يحيى السنوار زعامة حركة حماس خلفاً لهنية عزز الانطباع السائد بصعوبة التوصل إلى صفقة مُحتملة لوقف إطلاق النار في غزة في المستقبل المنظور. في ضوء ذلك، فإن جميع الخيارات الإيرانية في التعامل مع المنعطف الجديد في الحرب سيئة. ومن المفارقة أن الخيار، الذي قد تعتقد طهران أنه الأقل سوءًا، هو تصعيد مخاطر الحرب الإقليمية كسبيل لدفع إسرائيل والولايات المتحدة إلى الابتعاد عنها خطوة وليس للتقرب صوبها خطوة إضافية.
إن كل يوم تأخّر ويتأخّر فيه الرد الإيراني، يعني ترك هامش لدبلوماسية القنوات الخلفية للمشاركة في تشكيل طبيعة وأهداف الرد. ويُفترض أن نشاطها يشمل أيضاً تشكيل الرد الإسرائيلي بعد ذلك. على عكس هجوم نيسان، يحتاج الإيرانيون هذه المرّة إلى إلحاق بعض الضرر الواضح بإسرائيل وليس مُجرد استعراض القوة. ومثل هذا الضرر إذا وقع نتيجة هجمات الحلفاء كحزب الله، قد يكون أقل تكلفة على طهران. وإذا كان الأمر على هذا النحو بالفعل، فإن دائرة التصعيد الجديد قد تطول نسبياً هذه المرّة مقارنة بتصعيد نيسان، وقد تتركز على الجبهة اللبنانية مع إدارة مخاطر الرد والرد المباشر بين إسرائيل وإيران. ومسارعة العديد من الدول إلى الطلب من رعاياها مغادرة لبنان تُرجح سيناريو من هذا القبيل.