إن أكثر الأسئلة التي تدور في الأذهان بعد مرور عام على كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب ولايات جنوب تركيا في السادس من فبراير شباط العام الماضي وأودى بحياة أكثر من خمسين ألف شخص وأحدث دماراً هائلاً في المباني السكنية والبنى التحتية، هو ما إذا كانت البلاد تسير على الطريق الصحيح للتعافي من الآثار الرهيبة للكارثة. بادئ ذي بدء، لا يوجد معيار واضح يُمكن الاستناد عليه للتوصل إلى إجابة حاسمة على هذا السؤال. على سبيل المثال، إذا ما نظرنا إلى أن عدد المنازل الجديدة التي سيتم تسليمها هذ الشهر لصالح المتضررين في الولايات المنكوبة وتبلغ نحو 46 ألف منزل، أو تلك التي لا تزال قيد الإنشاء وفي مرحلة المناقصة وتبلغ نحو 307 آلاف وحدة سكنية، فإن العدد الإجمالي لهذه المنازل يُشكل تقريباً نصف عدد المنازل التي دمّرها الزلزال والبالغة 680 ألف منزل. وإذا ما قارنا هذا العدد بالوعد الذي أطلقه الرئيس رجب طيب أردوغان بعد وقوع الزلزال ببناء منازل جديدة للمتضررين في غضون عام، فإن هذا الوعد لم يتحقق كاملاً.
لكنّ إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأضرار المروعة التي تسببت بها الكارثة إن على صعيد تكلفة إعادة الإعمار التي تُقدر بأكثر من مئة مليار دولار أمريكي أو على صعيد مساحة المناطق المتضررة التي تُعادل حجم مساحة ألمانيا بكاملها تقريباً (350 كيلومتر)، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أيضاً الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها تركيا في السنوات الأخيرة، فإن نسبة التعافي من كارثة الزلزال مقارنة بهذه الحقائق والظروف، يُمكن وصفها بأنها جيدة. وفي هذه الحالة أيضاً، فإن تقييم نسبة التعافي من الكارثة لا يقتصر فقط على قياس عدد المنازل التي تم بناؤها أو يجري العمل على تشييدها، بل يشمل أيضاً تقييم إدارة الحكومة للمرحلتين الأولى والثانية من مواجهة الكارثة والخطوات التي قامت بها حتى اليوم لمحاسبة المسؤولين عن التقصير المحتمل في معايير جودة البناء السيئة التي تسببت بوقوع خسائر بشرية كبيرة. إن الاستجابة الحكومية الفورية للكارثة وبمعزل عن الانتقادات التي واجهتها الحكومة من قبل أحزاب المعارضة، والتي كانت مدفوعة في الغالب باعتبارات سياسية داخلية قبل الانتخابات التي جرت بعد ثلاثة أشهر من الزلزال، تعتبر جيدة مقارنة بحجم الأضرار والظروف المناخية السيئة التي صاحبت عمليات الإنقاذ في تلك الفترة. أما عن تقييم المرحلة الثانية من مواجهة الكارثة، فإن حقيقة أن جميع المتضررين من الزلزال، تم نقلهم إلى منازل مؤقتة وقدّمت لهم الحكومة تسهيلات خدمية ومزايا مالية فيُمكن القول أيضاً إن أداء الحكومة في المرحلة الثانية كان معقولاً.
أما فيما يتعلق بمعاقبة المسؤولين عن التقصير المحتمل في اتباع مواصفات عالية في أعمال البناء، فإنه بعد عام من وقوع الكارثة، لم يُصدر القضاء التركي بعد أي إدانات بهذا الخصوص. مع ذلك، فإن البلاد بدأت مطلع العام أول محاكمات بهذا الخصوص، وقد مثل11 متهماً أمام محكمة في أديامان بتهمة “الإهمال المتعمد” أثناء الإشراف على بناء فندق “إيسياس” المكون من 10 طوابق والذي تسبب الزلزال في انهياره ما أسفر عن مقتل 72 شخصاً. وأوقف خمسة من المتهمين، من بينهم صاحب الفندق، ووجهت إليهم اتهامات بارتكاب جرائم يمكن أن يحكموا بموجبها بالسجن لأكثر من 20 عاماً. وبعد الزلزال، اعتقلت السلطات حوالي 200 شخص على خلفية سوء بناء المباني. إن المُضي في المسار القانوني لهذه القضية يكتسب أهمية بالغة ليس فقط من أجل معاقبة المسؤولين المحتملين عن التسبب بوقوع خسائر بشرية كبيرة، بل أيضاً لأنّه سيُظهر صرامة الدولة في مراقبة جودة أعمال البناء في المستقبل. إن الافتراض بعد عام من كارثة القرن، أن الدولة التركية أصبحت أكثر صرامة في مراقبة جودة البناء التي يقوم بها المتعهدون وشركات البناء لضمان عدم وقوع خسائر بشرية كبيرة في أي كارثة طبيعية أخرى في المستقبل.
حقيقة أن كارثة الزلزال جاءت قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو أيار الماضي، تُفسر عدم واقعية الوعود التي أطلقها أردوغان في تلك الفترة. كان أردوغان بحاجة إلى إطلاق هذه الوعود لإظهار وقوف الدولة إلى جانب المتضررين ولضمان عدم تأثير الزلزال على فرص إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثالثة. وقد راهن على تجربة عقدين من نجاحه في بناء المشاريع الاقتصادية العملاقة في فترة وجيزة لتحقيق هذه الوعود. مع ذلك، فإن التجربة والوعود شيء، والواقع المحيط بكارثة الزلزال شيء مُختلف. لقد نجا أردوغان بالفعل من آثار الزلزال في انتخابات مايو الماضية بفضل استجابته في المرحلتين الأولى والثانية للكارثة. مع ذلك، فإن نتائج الانتخابات المحلية المقبلة التي ستشهدها البلاد في الحادث والثلاثين من مارس آذار المقبل، ستُحدد مدى رضى السكان في الولايات المنكوبة عن أداء حكومة أردوغان في المرحلة الثالثة من الاستجابة للكارثة.
في الغالب، سيتم تقييم مدى نجاح أردوغان في مواجهة الكارثة بعد عام عليها انطلاقاً من الوعود التي أطلقها. رغم ذلك، فإن الصعوبات العملية التي تواجه تحقيق هذه الوعود كبيرة للغاية حتى لو بذلت الحكومة أقصى جهودها. من غير المُمكن لشركة الإسكان الحكومية، التي قامت ببناء حوالي 700 ألف منزل في العشرين عاماً الماضية أن تبني نصف عدد المنازل المدمرة في عام واحد في ظل الظروف الراهنة، علاوة على أن البناء السريع للمساكن ينطوي على الكثير من المخاطر في مناطق تقع على خط صدع كبير. إن إنتاج المساكن وإعادة تخطيط المدن هي عملية تستغرق وقتا طويلا، ويجب أن يتم ذلك مع الأخذ في الاعتبار كيفية نمو المدن في العقود المقبلة.
على الرغم من كارثة زلزال 6 فبراير تسببت بخسائر بشرية كبيرة لا يُمكن أن تُعوض بأي حال وبدمار هائل يحتاج سنوات طويلة للتعافي الكامل منه، إلآّ أنها شكلت جرس إنذار قوي للدولة التركية للاستعداد بشكل أفضل في مواجهة الكوارث الطبيعية المستقبلية. لقد أدت الكارثة بالفعل إلى اهتمام البلاد بشكل أكبر بقضية التحول الحضري في المناطق المُعرضة لخطر زلزال كبير مثل مدينة إسطنبول.