كيف يبدو المشهد التركي قبل شهرين من انتخابات مارس؟

محمود علوش يكتب للديلي صباح عن آخر التطورات على ساحة السياسة الداخلية التركية على أبواب الانتخابات المحلية المُقررة يوم 31 مارس/آذار القادم وعن خريطة التحالفات الحزبية وعوامل المنافسة في المناطق الأكثر أهمية في هذه الانتخابات وهي إسطنبول وأنقرة

دخلت تركيا الشهرين الأخيرين المتبقين للانتخابات المحلية المُقررة في الحادي والثلاثين من مارس/آذار، بينما أصبحت معالم المشهد الانتخابي شبه مكتملة تقريباً إن من حيث خريطة التحالفات الحزبية أو من حيث عوامل المنافسة في المناطق الأكثر أهمية في هذه الانتخابات وهي إسطنبول والعاصمة أنقرة.

لكن، وبما أن السياسة الداخلية في تركيا مُتحركة بشكل مُستمر وتبقى عُرضة للتحولات حتى الأيام الأخيرة قبل الانتخابات، فإن الاستقطاب المحيط بالانتخابات سيصل إلى ذروته في الشهرين المتبقيين مع ذلك، هناك انطباعين رئيسيين تشكلا حتى الآن ويُمكن الاستناد عليهما للوصول إلى تقييم عام للمعركة الانتخابية المقبلة ومآلاتها وهما التحالفات الحزبية ومعالم المنافسة الانتخابية في البلديات الحضرية الكبرى على رأسها إسطنبول وأنقرة. من الواضح أن التحالف الحاكم، الذي يُحافظ على تماسكه بشكل قوي، سيدخل الانتخابات في وضع مُريح للغاية مقارنة بجبهة المعارضة التي تشهد أزمات مُتعددة الأوجه. ومن البديهي الاعتقاد بأن هذا الوضع يُعزز فرص حزب “العدالة والتنمية” وشركائه في التحالف الحاكم لاستعادة السيطرة على البلديات الحضرية الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة.

علاوة على ذلك، فإن العامل النفسي في هذه المنافسة يخدم التحالف الحاكم بقدر أكبر من أحزاب المعارضة لأنه تمكن من تحقيق انتصار كبير في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/أيار الماضي.على العكس من ذلك، فإن خارطة التحالفات الحزبية على جبهة المعارضة لم تستقر على مشهد واضح بعد. لكنّ انهيار العلاقة بين المكونين الرئيسيين لجبهة المعارضة وهما حزبا “الشعب الجمهوري” و”الجيد” يجعل من الصعب على أحزاب المعارضة عموماً وحزب “الشعب الجمهوري” على وجه الخصوص تقديم أداء قوي في انتخابات مارس.

فحزب “الجيد” يرى في تموضعه الجديد المستقل عن حزب “الشعب الجمهوري” في السياسة الداخلية فرصة لاستعادة هويته كحزب قومي معارض وكبديل ثالث للثنائية الحزبية التقليدية المتمثلة بحزبي “العدالة والتنمية” و”الشعب الجمهوري”. ومما لا شك فيه أن النتائج السيئة التي حصدتها مغامرة زعيمة الحزب ميرال أكشنار في انتخابات مايو بالحفاظ على تموضعها في الطاولة السداسية رغم تحالف كمال قليجدار أوغلو وقتها مع حزب “الشعوب الديمقراطي” ساعدتها في إحداث تغيير كبير في تموضعها السياسي. وحتى لو بدا الانفصال عن حزب “الشعب الجمهوري” قبل الانتخابات المحلية أفضل الخيارات السيئة لأكنشار، فإنه يبقى ينطوي على مخاطر سياسية لها، إذ سيتعين عليها إظهار أن حزبها قادر لوحده على التعبير عن الحالة القومية المعارضة بدون التحالف مع حزب “الشعب الجمهوري”.

أما بالنسبة لحزب “الشعب الجمهوري”، فإنه يبدو الحلقة الأضعف في المعادلة الحزبية السياسية الحالية ليس لأنّه لم يتمكن من الحفاظ على أحزاب المعارضة الأخرى تحت عباءته فحسب، بل لأن رهانه الوحيد المتبقي للفوز في الانتخابات المحلية يقوم على التحالف مع حزب “الديمقراطية ومساواة الشعوب” الواجهة السياسية الجديدة لحزب “الشعوب الديمقراطي”. على عكس انتخابات عام 2019 عندما كان تحالف “الأمة” المعارض مع حزب “الشعوب الديمقراطي” في إسطنبول أقل من حيث التكاليف السياسية التي ترتبت على حزب “الشعب الجمهوري” وقتها، فإن الأخير يواجه احتمال دفع تكاليف سياسية كبيرة هذه المرة. والنتائج التي ترتبت على تحالف قليجدار أوغلو مع حزب “الشعوب الديمقراطي” في انتخابات مايو، لا يُمكن تجاهلها في تقدير هذه التكاليف الآن. لذلك، فإن التوصيف الأكثر دقة لحالة حزب “الشعب الجمهوري” في انتخابات مارس أن جميع الخيارات التي لديه سيئة. وفي الواقع، فإن المأزق الذي يواجه حزب “الشعب الجمهوري” قبل الانتخابات المحلية صنعه بنفسه ويجد نفسه اليوم وحيداً في التعامل معه. لن تكون هزيمة محتملة للحزب في انتخابات مارس أكبر وقعاً عليه من هزيمة انتخابات مايو بأي حال، لكنّ نتائج انتخابات مارس ستُقرر المستقبل السياسي لأهم شخصيتين في حزب “الشعب الجمهوري” هما أوزغور أوزيل ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو. إن هذا الوضع يعمل كضغط نفسي آخر على أوزيل وأكرم إمام أوغلو لإدارة الحزب في هذه الفترة الحرجة من تاريخه. مع ذلك، فإن هذا الثنائي الذي اجتمع على هدف الإطاحة بقليجدار أوغلو من زعامة الحزب بعد انتخابات مايو، يخوض الآن صراعاً شرساً فيما بينه على النفوذ داخل الحزب.

أما الانطباع الثاني فيتعلق بمعالم المنافسة الانتخابية في أهم مدينتين وهما إسطنبول والعاصمة أنقرة. ومن الواضح أن المرشحين الذي قدّمهم التحالف الحاكم في المدينتين يُشكلان تحدياً كبيراً لمرشحي حزب “الشعب الجمهوري. وهنا يبرز سياقين مهمين في التأثير على المنافسة في إسطنبول وأنقرة. الأول يتعلق بالقضايا الأساسية التي ستُشكل السلوك الانتخابي للناخبين في إسطنبول وأنقرة والثاني يتعلق بخريطة التحالفات الحزبية. من الملاحظ أن حزب “الشعب الجمهوري” يسعى لإعطاء المنافسة الانتخابية بُعداً سياسياً يتجاوز البُعد المحلي والخدماتي على أمل حشد الناخبين المعارضين لدعم مرشحيه ولصرف النظر عن أداء الحزب في رئاسة البلديتين خلال السنوات الخمس الماضية. وعلى صعيد السياق الثاني، فإن خارطة التحالفات الحزبية تُضعف إلى حد كبير قدرة مرشحي حزب “الشعب الجمهوري” على الاحتفاظ برئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة. بالنظر إلى أن تحالف حزب “الشعب الجمهوري” مع حزب “الجيد” في الانتخابات المحلية السابقة لعب دوراً حاسماً في انتصار المعارضة في هاتين البلديتين، فإن الانفصال بينهما الآن يقوض من قدرة حزب “الشعب الجمهوري” على تحقيق النصر مرّة أخرى.

أخيراً، سيكون مسار العلاقة بين حزبي “الشعب الجمهوري” و”الديمقراطية ومساواة الشعوب” محط اهتمام داخلي في الشهرين المتبقيين للانتخابات. إن الظروف التي دفعت قليجدار أوغلو وحزب “الشعوب الديمقراطي” للتحالف في انتخابات مايو الماضية، لم تعد تتوفر جميعها الآن وإن ظل الهدف المشترك في تحدي حزب “العدالة والتنمية” قائماً. فعلى غرار حزب “الجيد”، الذي صمم تموضعه الجديد في السياسة الداخلية من أجل استعادة هويته كحزب قومي معارض، فإن حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب” يواجه تحدياً يتمثل في كيفية التعافي من تراجع حاضنته الشعبية في انتخابات مايو الماضية. وقد يكون السبيل الوحيد لتحقيق ذلك، خوض الانتخابات المحلية بشكل منفصل. مع ذلك، فإن الحزب سيعمل على تقوية أوراقه التفاوضية مع حزب “الشعب الجمهوري” للحصول على مكاسب أكبر مقابل دعمه مرشحه في إسطنبول على وجه الخصوص.

إقرأ أيضاً: