هل ينخرط حزب الله في الحرب؟

يوازن حزب الله خياراته الصعبة بينما ينظر إلى حرب أكتوبر الجديدة على أنها ستُحدد مستقبله أيضاً. وقد يرى في انخراطه في الحرب، رغم المخاطر الكبيرة عليه وعلى لبنان المنهك، حاجة وجودية له وفرصة لتشكيل قواعد ردع جديدة مع إسرائيل على الجبهة الجنوبية.

كسر الهجوم الكبير الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الجاري الكثير من القواعد السارية منذ فترة طويلة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومن بين تلك القواعد المتصدعة أن حرباً إقليمية واسعة النطاق يُشعلها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تجلب مخاطر على أطرافها بقدر أكبر بكثير من الفوائد المتصورة، وبالتالي ستبقى مستبعدة. حتى يوم السابع من أكتوبر، كانت هذه القاعدة صلبة للغاية. على سبيل المثال، في جميع الحروب الكبيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ فرض الحصار عليه عام 2007، لم ينخرط حزب الله اللبناني في أي منها مع استثناء بعض الدعم المتواضع الذي حاول إظهاره من خلال الهجمات العرضية التي شنها على إسرائيل في حروب 2008 و 2014 و2021، لكنها لم تدفع الحزب إلى الانخراط بشكل أعمق في الحرب. وبدت استراتيجية الحزب خلال تلك الفترة منسجمة بشكل كامل مع استراتيجية إيران في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتي ارتكزت بشكل أساسي على تقديم الدعم السياسي والمالي والعسكري للفصائل الفلسطينية الأساسية في قطاع غزة مثل حماس وحركة الجهاد الإسلامي، كجزء من استراتيجية حرب الظل مع إسرائيل. 

حتى لحظة كتابة هذه السطور، لم تظهر مؤشرات قوية على أن إيران اتخذت قراراً بالانخراط العسكري في الحرب بين إسرائيل وغزة عبر وكلائها في المنطقة لا سيما حزب الله. مع ذلك، تُشير تقديرات استخباراتية غربية إلى أن طهران لعبت على الأرجح دوراً في التخطيط لهجوم حماس في السابع من أكتوبر وربما أعطت الضوء الأخضر لشنه. وزعمت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن طهرت رعت اجتماعات جمعت قادة من حماس وحزب الله وفصائل فلسطينية أخرى في بيروت في وقت سابق للتخطيط للهجوم. العلاقة الاستراتيجية الوثيقة بين حماس وإيران ليست محل شك في العموم. وبمعزل عن مدى صحة هذه المزاعم، فإن حقيقة أن بعض المسؤولين الكبار في حزب الله مثل رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين، توعدوا بتحويل “طوفان الأقصى” (الإسم الذي أطلقته حماس على هجومها) إلى طوفان كل الأمة “في حال تمادى الإسرائيليون والأمريكيون بحماقاتهم” تُشير إلى أن حزب الله قد يدخل الحرب في نهاية المطاف. لم يُحدد صفي الدين بشكل واضح الظروف التي ستدفع حزب الله إلى الانخراط في الحرب، ما يترك استراتيجية الحزب ضبابية وغير واضحة تماماً حتى الآن. 

مع ذلك، يجب أخذ تحذيرات حزب الله على محمل الجد. على مدى الأيام التي أعقبت هجوم السابع من أكتوبر، شن الحزب عدداً من الهجمات على أهداف إسرائيلية محاذية للحدود. كما أعلن سقوط عدد من القتلى في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي أو قصف إسرائيلي. وفي الحادي عشر من أكتوبر، أعلن الحزب استهداف مدرعة إسرائيلية بصاروخ موجه وهو أول استهداف من هذا النوع منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006. حتى لحظة كتابة هذه السطور، لم يخرج الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى العلن للحديث عن الحرب في غزة. لكنّ بعض التقارير تحدثت عن رسائل أرسلتها فرنسا لحزب الله في الأيام الأخيرة لتحذيره من عواقب الانخراط في الحرب. من المؤكد أن انخرطاً محتملاً لحزب الله في الحرب سيعكس بشكل مباشر قرار إيران بدفع وكلائها في المنطقة إلى المشاركة في الحرب. بالتوازي مع تصاعد المخاطر على الجبهة الشمالية لإسرائيل، توعد زعيم الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي بالانخراط أيضاً في الحرب، لكنّه، على غرار قادة حزب الله، لم يُحدد بشكل واضح الظروف التي ستدفع الحوثيين للتدخل. في الغالب، تبدو هذه التحذيرات نيابة عن طهران ومحاولة لرسم خطوط حمراء. 

هناك تطوران واضحان على الأقل يُمكن التكهن بهما لتقدير ما إذا كان حزب الله وغيره من الجماعات التي تدعمها إيران في المنطقة سيشاركون في هذه الحرب. الأول يتمثل بالمسار الذي ستسلكه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. في حال قررت إسرائيل المضي قدماً في خطط شن هجوم بري شامل على القطاع، فإن ذلك سيُشكل على الأرجح حافزاً قوياً لإيران لدفعها حلفائها في لبنان واليمن وقواتها المتواجدة في سوريا إلى إشعال جبهات متعددة مع إسرائيل في آن واحد لتشتيت القدرة العسكرية الإسرائيلية وإرباكها. أما التطور الثاني، فيتمثل في احتمال أن تشن إسرائيل ضربات انتقامية مباشرة ضد إيران، وهو خيار مستبعد على الأرجح لأنّه سيكون نقطة البداية لحرب إقليمية واسعة النطاق أكثر خطورة من حرب إقليمية بالوكالة. يُمكن النظر إلى إرسال الولايات المتحدة حاملتي طائرات إلى المنطقة على أنه تحذير لإيران وحلفائها في المنطقة من عواقب الانخراط في الحرب. مع ذلك، يجب النظر إلى هذه الحرب من منظور إقليمي أوسع. إن نجاح أو فشل فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة في الحرب سيكون له تداعيات كبيرة على الحضور الإيراني في المنطقة، وهذا المنظور يعمل كمحفز قوي لإيران للتفكير في مزايا الانخراط بالوكالة في الحرب بقدر أكبر من العواقب عليها وعلى وكلائها.

في حالة حزب الله تحديداً، فإن انخراطه المحتمل في الحرب سيكون له آثار كبيرة على مسارها لأنّه أولاً القوة الضاربة والأكثر تسليحاً لإيران في المنطقة. يمتلك الحزب ما يُقدر بمئة ألف صاروخ دقيق. كما أن مشاركته في الحرب ستُجبر إسرائيل على تخصيص جزء كبير من مواردها القتالية على الجبهة الشمالية لصد أي توغل بري محتمل لمقاتلي الحزب. تُراهن إسرائيل والغرب عموماً على أن مشاركة حزب الله في الحرب السورية على مدى أكثر من اثني عشر عاماً استنزفت قدراته القتالية إلى حد يمنعه من خوض مغامرة حرب جديدة مع إسرائيل. وقد كلف مجهود حزب الله في الانخراط بحروب الوكالة نيابة عن إيران في المنطقة خلال العقد الماضي التنظيم آلاف المقاتلين وملايين الدولارات ومخزونات كبيرة من الأسلحة والعتاد. لكنّ هذا الرهان قد لا يبدو دقيقاً تماماً. من المرجح أن يكون الحزب استفاد أيضاً من انخراطه في الحرب السورية لصقل مهاراته القتالية في حرب المدن والشوارع وحصل على المزيد من الأسلحة والتمويل والخبرة من إيران. علاوة على ذلك، استطاع الحزب تطوير قدراته الاستخباراتية و السيبرانية بشكل كبير بفضل الحرس الثوري الإيراني. بهذا المعنى، فإن الحزب لا يزال قادراً على خوض حرب جديدة مع إسرائيل من منظور عسكري. 

النقطة الأخرى التي تُراهن عليها إسرائيل والغرب هي أن الوضع الداخلي اللبناني لا يُساعد حزب الله في توريط لبنان بحرب جديدة مع إسرائيل. تعاني البلاد بالفعل من أزمة اقتصادية طاحنة وشلل سياسي ومن المؤكد أن رداً انتقامياً قوياً من إسرائيل يستهدف البنى التحتية اللبنانية سيُعمق على نحو كبير من الانهيار الاقتصادي. كما أن الوضع السياسي الداخلي المستقطب، سيجلب المزيد من العداء الداخلي لحزب الله في حال قرر الانخراط في الحرب. مع ذلك، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن المصالح الأساسية لحزب الله في هذه الحرب ترتبط بشكل مباشر بالمصالح الإيرانية. ينظر حزب الله إلى الحرب الحالية على أنها مصيرية له على غرار غزة لأنه يعتقد أنه سيكون الهدف التالي. ومع أن الحرب لن تشكل تهديدا وجوديا له في المستقبل المنظور إذا ما قرر عدم الانخراط فيها، لكن قدرة غزة على الصمود ستلعب دوراً حاسماً في تحديد مستقبل حزب الله. عندما تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخراً عن ان إسرائيل تسعى من خلال حربها على غزة إلى تغيير الشرق الأوسط، فإنه بدأ وكأنه يُلمح إلى أن الهدف التالي لإسرائيل بعد غزة هي إنهاء جميع التهديدات التي تواجهها في الإقليم ومنها حزب الله. 

حتى الآن، بدا أن حزب الله يمارس ضبط النفس إلى حد معقول في هذه الحرب. لكنّ ذلك لا يعني استبعاد سوء التقدير في الحسابات. كانت الحسابات الخاطئة سبباً في اندلاع حرب واسعة النطاق في عام 2006، بعد أن أدى هجوم لحزب الله على إسرائيل واختطاف جنود إسرائيليين إلى غزو إسرائيلي شامل. واعترف نصر الله لاحقاً بأنه لم يتوقع رد الفعل هذا. اليوم، يبدو الوضع مختلفاً بعض الشيء. إذا واصل حزب الله تصعيد هجماته على الجبهة الشمالية الإسرائيلية، فإنه لن يسعى فقط إلى الضغط على إسرائيل بقدر ما سيرغب في الانخراط العميق في الحرب.

يوازن حزب الله خياراته الصعبة بينما ينظر إلى حرب أكتوبر الجديدة على أنها ستُحدد مستقبله أيضاً. وقد يرى في انخراطه في الحرب، رغم المخاطر الكبيرة عليه وعلى لبنان المنهك، حاجة وجودية له وفرصة لتشكيل قواعد ردع جديدة مع إسرائيل على الجبهة الجنوبية.

إقرأ أيضاً: