أعاد الهجوم المزعوم الذي استهدف الجمعة الماضية مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية التي تُهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تُصنّفه تركيا كمنظمة إرهابية في محيط مطار السليمانية بإقليم كردستان العراق تسليط الضوء على مخاطر توسع رقعة الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني وفرعه السوري. رغم أن الرئاسة العراقية اتهمت تركيا بتنفيذ الهجوم، إلآّ أن الأخيرة لم تُعلق حتى كتابة هذه السطور على المزاعم العراقية، لكنّ وكالة رويترز نقلت عن مسؤولين في وزارة الدفاع التركية نفيهم أن تكون تركيا وراء الهجوم. مع ذلك، برزت في الأيام الأخيرة مؤشرات على القلق التركي من النشاط المتزايد لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية في المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه بافال طالباني في إقليم كردستان العراق. في الخامس من أبريل نيسان الماضي، قررت تركيا إغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات من وإلى مطار السليمانية حتى يوليو تموز المقبل بسبب تصاعد نشاط مقاتلي حزب العمال الكردستاني هناك. وجاء القرار التركي بعد أيام من حادثة تحطم مروحية كانت على متنها قادة من وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال في مدينة دهوك العراقية.
مع أن النقاش انحصر بشأن أسباب تحطم المروحية، إلآّ أنه تجاهل النقطة الأكثر حساسية وهي طبيعة الدعم الذي يُقدمه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني للوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني. الافتراض السائد أن أي من الوحدات الكردية وحزب العمال لا يمتلك مثل هذه الطائرات وبأن المروحية تعود ملكيتها لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي بدا أنه يضع الأصول العسكرية التي يمتلكها في خدمة الوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني للتنقل جواً بين شمالي سوريا والعراق من أجل تجنب المرور عبر المعابر البرية التي تجعل قادة التنظيمين أكثر عرضة للاستهداف من الطائرات المسيرة التركية. في الواقع، فإن العلاقة الوثيقة التي تجمع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بالوحدات الكردية وحزب العمال ليست جديدة لكنّ حادثة تحكم المروحية كشفت عن الأبعاد العسكرية في هذه العلاقة. تبدو تركيا على حق في التعبير عن قلقها من تحول أجزاء في شمال العراق إلى بيئة آمنة لنشاط حزب العمال الكردستاني، بينما تسعى منذ فترة لتقييد قدرة التنظيمات الكردية المسلحة الانفصالية على التواصل فيما بينها في كل من سوريا والعراق. كما أن هذه العلاقة مُقلقة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني منافس الاتحاد الوطني الكردستاني في إقليم كردستان العراق. سبق ان أكد رئيس وزراء حكومة كردستان العراق مسرور بارزاني أن المروحية وهي من طراز AS350 تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني وكانت تحمل خمسة أعضاء من حزب العمال الكردستاني. كما اشتكى لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من الجسر الجوي الذي يؤمنه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لنقل قادة الوحدات الكردية بين شمالي سوريا والعراق.
يرتكب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني خطأ كبيراً باحتضان نشاط حزب العمال الكردستاني والوحدات الكردية في المناطق الخاضعة لنفوذه في الإقليم. مع ان أربيل تجمعها علاقة جيدة بتركيا منذ فترة طويلة، إلآّ أنها كانت أكثر حنكة من السليمانية في إدراك أن حماية مكتسبات أكراد العراق في الحكم الذاتي تكمن في تحييدهم عن مشروع حزب العمال الكردستاني والتعاطي بمسؤولية مع حساسية دول الإقليم في هذه القضية لا سيما تركيا. إن العلاقة بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني تجاوزت البيئة الحاضنة التي يُشكلها الحزب لمقاتلي حزب العمال. في عام 2020، وقعت بغداد وأربيل اتفاقية لتحقيق الاستقرار في قضاء سنجار وإخراج مقاتلي حزب العمال من المنطقة، لكن التحالف بين التنظيم وفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران لا يزال يحول بشكل أساسي دون تطبيق الاتفاقية. لقد ساعد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني حزب العمال على إقامة روابط مع الحشد الشعبي منذ عام 2014، مما مهد الطريق لتعاونهم في وقت لاحق في سنجار.
يضع تحالف مثلث الحشد الشعبي ـ حزب العمال الكردستاني ـ الاتحاد الوطني الكردستاني سنجار والمناطق الخاضعة لنفوذ الاتحاد الوطني في قلب المنافسة بين تركيا وإيران. عندما انسحب مقاتلو الحزب الديمقراطي الكردستاني من سنجار في عام 2017، فقدت تركيا – التي تتعاون مع الحزب في قتال حزب العمال الكردستاني – شريكها الرئيسي على الأرض. وبالتالي صعدت الضربات الجوية التي كانت تشنها بالفعل على مخابئ حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. وجد الحشد وحزب العمال الكردستاني (مع التنظيمات التابعة له) أرضية مشتركة في مواجهة تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني لإيجاد ملاذ آمن في شمال العراق.
إحدى الديناميكيات الرئيسية التي تؤثر على صراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني هي التنافس بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والتي ساعدت حزب العمال على إيجاد هامش أكبر لممارسة أنشطته المسلحة في الإقليم. علاوة على ذلك، وجدت إيران في المنافسة الكردية ـ الكردية أرضية لتعزيز مصالحها في شمال العراق. يحافظ الحشد الشعبي على علاقة المنفعة المتبادلة مع حزب العمال الكردستاني تمتد عبر العراق وسوريا. يستفيد الحشد من تنسيق حزب العمال الكردستاني للتجارة غير المشروعة مع وحدات حماية الشعب في سوريا. وفي الوقت نفسه، توفر سنجار لحزب العمال الكردستاني ملاذًا آمنًا إضافيًا، حيث تقوم ببناء نوع من الجسر البري بين قواعده في أماكن أخرى في شمال العراق وسوريا. لا ينبغي أن يتوقع العراق او الولايات المتحدة من تركيا أن تظل متفرجة على العلاقة المتنامية بين تنظيمي الوحدات الكردية وحزب العمال والرعاية التي يوفرها لها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بينما يعمل المسؤولين الأمريكيون الذين يقودون التحالف الدولي في سوريا والعراق على تعزيز الروابط بين التنظيمين ومواصلة تقديم الدعم للوحدات الكردية بذريعة الحاجة إلى مواجهة مخاطر عودة داعش.