يعقد نواب وزراء خارجية كل من روسيا وتركيا وسوريا وإيران اجتماعاً الإثنين والثلاثاء 3 و 4 أبريل في موسكو في مسعى لدفع عملية الحوار بين أنقرة ودمشق والتحضير للقاء رباعي على مستوى وزراء الخارجية. ويكتسب هذا الاجتماع أهمية على صعيدين. سيكون الأول في إطار اللجنة الرباعية بعد انضمام طهران إلى الآلية الثلاثية في وقت سابق. كما سيكون ثاني اجتماع مُعلن يلتقي فيه مسؤولون أتراك وسوريون منذ إطلاق عمل الآلية الثلاثية التي بدأت باجتماع تركي سوري برعاية روسية على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في موسكو نهاية العام الماضي. علاوة على ذلك، تكتسب المشاركة التركية والسورية في الاجتماع الرباعي صبغة دبلوماسية هذه المرّة ما يعني عملياً رفع الحوار الثنائي إلى مستويات سياسية بعدما اقتصر في الفترة الماضية على مستويات دفاعية واستخباراتية. كون الاجتماع الرباعي سيحضره دبلوماسيون قليلو المستوى، فإنه من غير المُرجح أن يُسفر عن نتائج قوية يُمكن أن تدفع الحوار التركي السوري باستثناء أنّه سيضع أجندة الاجتماع المقبل لوزراء خارجية الدول الأربع في الفترة المقبلة. لذلك، ينبغي النظر إلى الاجتماع الرباعي في موسكو على أنّه خطوة متقدمة في مسار الحوار التركي السوري لكنّها متواضعة.
منذ انطلاق المفاوضات المُعلنة بين أنقرة ودمشق برعاية روسية، برزت عقبات عديدة في طريقها. كان من المخطط بعد اجتماع موسكو الأول أن يُعقد اجتماع آخر على مستوى وزراء الخارجية في فبراير شباط الماضي تمهيداً لعقد قمة رئاسية بين الأسد وأردوغان لتتويج المصالحة، لكنّه لم يُعقد. كما أدى استبعاد إيران عن الآلية الثلاثية إلى بروز عقبة جديدة تمت معالجتها بعد ذلك بدعوة طهران إلى الانخراط في هذه الآلية لتُصبح رباعية. كذلك، فشلت جهود عقد اجتماع رباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية منتصف الشهر الماضي في موسكو، لكنّ أنقرة قالت إن الظروف اللوجستية لم تكن مناسبة لانعقاده في تلك الفترة. مع ذلك، لا يبدو أن الظروف اللوجستية حينها هي من عرقلت عقد الاجتماع لأن الأسد، الذي كان موجوداً في موسكو قبل أيام قليلة من الموعد المُخطط للاجتماع الرباعي الشهر الماضي، انتقد بشدة أردوغان وجدده اشتراطه بموافقة تركيا على سحب قواتها من سوريا مقابل المضي في الحوار معها. لا يعني انعقاد الاجتماع الرباعي الآن أن تفاهماً ما بين أنقرة ودمشق بخصوص قضية الوجود العسكري التركي قد حصل بالفعل لأنّ مثل هذا التفاهم يُمكن أن يتحقق كنتيجة للمفاوضات وليس كشرط مسبق لها. بقدر ما أن الرئيس رجب طيب أردوغان حريص في الوقت الراهن على إصلاح العلاقات مع دمشق، فإنه لا ينظر إلى المصالحة كغاية بقدر ما أنها وسيلة لتحقيق بعض الأهداف العريضة لتركيا في سوريا ويُمكن تلخيصها بثلاثة أهداف هي موافقة دمشق وموسكو وطهران على تعاون معها لإنهاء الإدارة الذاتية لوحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا ومساعدة أنقرة في تنظيم إعادة طوعية وآمنة للاجئين السوريين على أراضيها إلى بلدهم، فضلاً عن إيجاد أفق جديد لدفع عملية التسوية السياسية للصراع السوري.
كنتيجة لتغيير جذري في موقفها تجاه الأسد، أصبحت تركيا تنظر إلى الأسد على أنّه طرف رئيسي على الطاولة ولا يُمكن تجاهله في سياساتها السورية. وهذا التحول التركي لم يكن وليد الفترة التي بدأت فيها أنقرة تبني نهج إيجابي تجاه دمشق، بل ظهر بعد انضمام تركيا إلى منصة أستانة الثلاثية مع روسيا وإيران في عام 2017. لذلك، فإن الحوار التركي السوري الراهن هو أحدث تطور في السياسة التركية الجديدة في سوريا بعد النصف الثاني من العقد الماضي. بمعزل عن دوافع أردوغان في قرار الانفتاح على الحوار مع الأسد وما إذا كان مرتبطاً بالفعل بظروف انتخابية داخلية أو بطبيعة الشراكة الجيوسياسية المتنامية بين تركيا وروسيا منذ إعادة إصلاح العلاقات بينهما بعد أزمة إسقاط المقاتلة الروسية عام 2015، أو بكليهما، إلآّ أنه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد أن تركيا مستعدة للتخلي عن وجودها العسكري في سوريا مقابل إصلاح العلاقات مع دمشق وقبل تحقيق الأهداف الثلاثة التي تُشكل جوهر استراتيجيتها الجديدة في سوريا. علاوة على ذلك، أرى أن الحديث عن المنافع المحتملة لأردوغان في الانتخابات من وراء محاولته إصلاح العلاقات مع دمشق مبالغ فيها إلى حد كبير. رغم أن جزءاً كبيراً من الأتراك يُريد إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، إلآّ أن مصالحة بين الأسد وأردوغان قبل الانتخابات لن تُحقق هذا الهدف بشكل فوري، وبالتالي لن تُساهم في إعطاء دفعة انتخابية قوية لأردوغان كما يعتقد البعض.
يبدو أن رهان الأسد على الانتخابات التركية أكبر بكثير من رهان أردوغان على مصالحة مع الأسد من أجل تحقيق منافع انتخابية. مع أن المطالب التي تطرحها دمشق بخصوص الانسحاب التركي بدت وكأنها عقبة أساسية أمام مواصلة الحوار الثنائي، إلآّ أن مشاركة النظام في الاجتماع الثلاثي في موسكو نهاية العام الماضي لم تكن مقرونة بهذا الشرط. لذلك، لا أرى أن مطالب الأسد بوضع جدول زمني لانسحاب تركيا من سوريا هو من يُعرقل مسار المفاوضات بقدر ما يُشكل ذريعة له لعدم مواصلة المفاوضات في هذه الفترة بالتحديد لأنّه يُراهن على أن تؤدي الانتخابات التركية المقررة منتصف مايو أيار المقبل في نهاية حكم الرئيس رجب طيب أردوغان. لا يُمكن بطبيعة الحال أن نتصوراً عودة للعلاقات التركية السورية من دون معالجة مسألة الوجود العسكري التركي في شمال سوريا، لكنّ الأسد يُدرك تماماً أن الانسحاب التركي لا يُمكن أن يتحقق من دون تحقيق الأهداف الثلاثة الرئيسية لتركيا في استراتيجية السورية الجديدة. إن مسألة الوجود العسكري التركي في سوريا لا تتعلق فقط بالهواجس الأمنية.
لا تزال أنقرة تنظر إلى هذا الوجود على أنه ورقة قوية لديها للضغط على دمشق وموسكو وطهران للقبول بتسوية شاملة للصراع السوري. مع ذلك، يعتقد الأسد أن المضي في الحوار مع حكومة أردوغان في هذه الفترة قد يُساعده في تقوية موقفه الانتخابي في الداخل ويرى أنه من مصلحته إبرام تسوية مع تركيا في ظل قيادة المعارضة لها لأن خطاب الأخيرة يُعطي مؤشرات على أنها راغبة في إصلاح العلاقات مع دمشق بأي ثمن. لكنّ هذا الاعتقاد يُمكن المجادلة به. حتى لو أحدث الانتخابات التركية تحوّلاً سياسياً، فإن المقاربة التركية لمسألة الانسحاب من سوريا لن تتغير بشكل جذري وستبقى مرهونة بمعالجة الهواجس الأمنية لأنقرة إزاء وحدات حماية الشعب الكردية. كما أن رغبة المعارضة التركية في إعادة اللاجئين السوريين لا يُمكن أن تتحقق من دون تأمين ظروف آمنة وكريمة لإقناعهم بالعودة.
بصرف النظر عن حسابات الأسد في الانتخابات التركية، فإن قبوله المشاركة في اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات ثم الاجتماع الرباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية، تُشير إلى أنّه لا يستطيع تجاهل مصالح روسيا التي ترعى بشكل رئيسي مسار الوساطة بين أنقرة ودمشق. بالنسبة لموسكو، فإن أوليتها في الوقت الراهن هي تحقيق المصالحة بين أنقرة ودمشق لممارسة مزيد من الضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من سوريا. كما تنظر إلى المصالحة التركية السورية كحلقة رئيسية في عملية إعادة تأهيل نظام الأسد إقليمياً وعربياً. علاوة على ذلك، فإنه إذا كانت مصالحة تركية سورية ستعود بالنفع على أردوغان انتخابيا، فإن موسكو لا تُمانع في ذلك، بل وتدعمه أيضاً. تُدرك روسيا، كما إيران، أن تركيا في ظل قيادة المعارضة ستُصبح أكثر قرباً من الغرب بما يؤدي إلى تراجع انخراطها في الجهود الروسية والإيرانية في سوريا. كما أن زعيم المعارضة التركية قليجدار أوغلو، وبصرف النظر عن علاقته الجيدة بالأسد، فإنه لن يستطيع إحداث تحول جذري في السياسة التركية في سوريا بمعزل عن سياسات الولايات المتحدة والدول الغربية. بهذا المعنى، فإن رهان الأسد على فوز المعارضة في الانتخابات يُضر بشكل كبير في مساعي روسيا لإبقاء تركيا شريكة في جهودها لتهميش الولايات المتحدة والدول الغربية في سوريا.
أخيراً، فإن انعقاد الاجتماع الرباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية في موسكو يُمكن أن يحدث نقلة جديدة في مسار الحوار التركي السوري ويُعزز البيئة السياسية الجديدة بين أنقرة ودمشق. لا ينبغي النظر إلى مسألة الوجود العسكري التركي في سوريا كعقدة في طرق هذا الحوار لأنّه بمقدور الطرفين إلى جانب موسكو وطهران التوصل إلى تفاهم يُعالج هذه القضية. قبل كل شيء، فإن تركيا تؤكد باستمرار أن وجودها في سوريا تفرضه حاجات الأمن القومي لها وأنها حريصة على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. تبرز اتفاقية أضنة المبرمة بين تركيا وسوريا عام 1998 كأرضية جيدة للمفاوضات بخصوص مستقبل الوجود العسكري التركي. يُمكن لموافقة دمشق على تعديل هذه الاتفاقية بشكل يسمح لتركيا بالتدخل العسكري في الأراضي السورية بعمق ثلاثين كيلومتراً لمحاربة أي تهديد ناجم عن وحدات حماية الشعب الكردية الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني أن يُشجع أنقرة على الموافقة على وضع جدول زمني لسحب قواتها. علاوة على ذلك، فإن موافقة النظام على عودة آمنة وكريمة للاجئين السوريين ستُساعد أردوغان في معالجة قضية اللجوء التي تضغط عليه في الداخل. تبقى نقطة أخيرة مُعقدة في مسار المصالحة التركية السورية وهي مستقبل التسوية السياسية للصراع. مع ذلك، فإن العلاقات الجديدة التي أقامتها تركيا مع محيطها العربي تُساعدها في الانخراط مع الدول العربية في مساعي إعادة دفع عملية السلام السورية.