هل يتلقّف الغرب مرونة أردوغان المفاجئة؟

في السنوات الأخيرة، التي شهدت توترا في العلاقات التركية الغربية، نادرا ما أظهر أردوغان ليونة مع الغربيين كما يفعل الآن. على الغرب أن يتلقف هذه المرونة والتفكير في مزايا العمل الجاد مع أردوغان بدلاً من رهان غير مؤكد على تحول سياسي في تركيا بعد الانتخابات.

صادق البرلمان التركي ليل الخميس الجمعة على ضم فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي الناتو في خطوة تحل جزءاً من الأزمة التي أثارتها قبل نحو عام معارضة أنقرة لضم فنلندا والسويد إلى الناتو. لا يزال الرئيس رجب طيب أردوغان يُرهن تمرير المصادقة على عضوية ستوكهولم بتلبية الأخيرة لجميع المطالب التي قدّمتها الحكومة التركية خصوصاً تلك المتعلقة بتسليم المطلوبين المدانين بالإرهاب إلى تركيا ووقف دعم السويد لما يُسمى الإدارة الذاتية لوحدات حماية الشعب الكردية الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني المُصنّف إرهابياً. كانت المصادقة التركية على عضوية فنلندا أقل تعقيداً مما هو الحال عليه بالنسبة للسويد لأن هلسنكي كانت في الواقع ضحية للمشاكل التركية السويدية. مع ذلك، هناك بعض الأسباب التي تُفسّر تمرير تركيا لعضوية فنلندا دون السويد في الوقت الراهن. أنقرة بحاجة إلى الحصول على دعم مالي من الدول الغربية لمساعدتها في التعافي من آثار الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد في السادس من فبراير شباط الماضي وتُقدر خسائره بنحو مئة مليار دولار أمريكي. كما أن أردوغان، الذي يقترب من انتخابات حاسمة منتصف مايو أيار المقبل، يسعى لترطيب العلاقة مع الغرب لتجنب مزيد من الاضطرابات الاقتصادية في هذه الفترة. علاوة على ذلك، تأمل أنقرة أن تُساهم المصادقة على عضوية فنلندا في ممارسة مزيد من الضغط على الحكومة السويدية لتلبية مطالبها وإقناع الولايات المتحدة بتمرير صفقة بيعها مقاتلات إف ستة عشر.

بمعزل عن الدوافع التركية في تمرير عضوية فنلندا في الناتو، فإن المصادقة التركية تُشير إلى أن الأزمة بخصوص عضوية السويد قابلة للحل إذا ما أرادت ستوكهولم والغرب التعاون بشكل أوثق مع أنقرة لمعالجة هواجسها الأمنية المشروعة بخصوص الرعاية التي يحظى بها أنصار حزب العمال الكردستاني في السويد وبعض الدول الغربية عموماً وبخصوص الدعم الذي تُقدمه السويد لوحدات حماية الشعب الكردية السورية. مع أن الاعتقاد المسبق في بعض العواصم الغربية بأن عرقلة أردوغان لعضوية فنلندا والسويد تنبع من رغبته في توظيف هذه القضية لتحقيق مكاسب انتخابية في الداخل، ثبت عدم واقعيته بشكل جزئي، إلآّ أن المرونة التي أظهرتها تركياً أخيراً في التعاطي مع هذه القضية يجعل من المطالب التي تُقدمها بخصوص عضوية السويد منطقية. في الواقع، بدأ الغرب قليلاً في إظهار مرونة في مقاربة الهواجس التركية. سبق أن أقر كل من الأمين العام لحلف الناتو ووزير الخارجية الأمريكي بأن مخاوف أنقرة مشروعة وحقيقية. كما أن تركيا، ورغم خلافاتها مع السويد، لم تُعرقل الاندماج الدفاعي والسياسي لستوكهولم في حلف الناتو. علاوة على ذلك، لا تزال أنقرة ترى بأن توسيع حلف الناتو يخدم المصالح الاستراتيجية العليا للحلف التي هي عضو فيه، ويُساعدها في إحداث توازن في علاقاتها مع روسيا.

الآمال ضئيلة للغاية في إحداث تقدم جوهري في المفاوضات بين تركيا والسويد في المستقبل المنظور، لكنّ مصادقة البرلمان التركي على عضوية فنلندا تضع خارطة طريق عملية أمام البلدين لتسوية خلافاتهما قبل القمة المرتقبة لحلف الناتو في ليتوانيا في يوليو تموز المقبل على أقل تقدير. للوصول إلى نتيجة إيجابية قبل القمة، سيتعين أولاً على السويد النظر إلى مخاطر إطالة أمد عضويتها في الحلف والتفكير بشكل أكبر في المزايا التي ستجنيها من وراء ضمان عضويتها في الناتو قبل قمة الحلف. وثانياً، سيتعين على الدول الغربية أن تُمارس المزيد من التأثير لدفع المفاوضات بين أنقرة وستوكهولم. يُمكن للولايات المتحدة على وجه الخصوص أن تلعب دوراً حيوياً في المفاوضات من خلال طرح بعض الإغراءات أمام تركيا للتعجيل في المصادقة على عضوية السويد كالتسريع في جهود إنجاز صفقة مقاتلات إف ستة عشر. مع ذلك، ينبغي أن تستند المرحلة الجديدة من أي مفاوضات بهذا الخصوص على أرضية واضحة تُعالج الهواجس التركية المشروعة.لم تُثير تركيا أزمة توسيع الناتو لأنها تسعى لجذب الاهتمام أو خطب ود روسيا، بل لأنها تُريد إقناع الغرب بأهمية التعاون معها ضد حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري. لذلك، فإنه حتى لو قدمت الولايات المتحدة وعوداً إضافية لتركيا بتسهيل صفقة مقاتلات إف ستة عشر، فإن ذلك لن يكون كافياً لأردوغان للتخلي عن اعتراضاته بخصوص السويد.

من الواضح أن الجدول الزمني لانضمام السويد إلى الناتو سيكون أطول مما كان الحال عليه بالنسبة لفنلندا، وقد يستغرق شهوراً وربماً سنوات بدلاً من أسابيع حتى يتم تقليص الهامش الذي تمنحه السويد لتحركات أنصار حزب العمال الكردستاني ووقف جمع الأموال والعمل الدعائي له. (حاليًا يتم تجريم أعمال العنف التي يرتكبها أعضاء منظمة إرهابية فقط) في السويد وإنهاء الدعم السويدي للإدارة الذاتية لوحدات حماية الشعب الكردية. لكن مع تسوية مصادقة فنلندا، أصبح من المرجح إيجاد حلول للمشاكل بين ستوكهولم وأنقرة. إن مجموعة القضايا التي تحتاج إلى معالجة أكثر تحديدًا، ويمكن تركيز طاقة واهتمام جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين – السويد وتركيا وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة – على معالجتها.

كانت إحدى النقاط المضيئة في عملية الانضمام حتى الآن هي الاتفاق بين الحكومات التركية والفنلندية والسويدية على مذكرة ثلاثية مكونة من عشر نقاط في يونيو، وهي تحدد آلية مشتركة دائمة وتؤكد الدعم التركي النهائي للانضمام، وتتطلب (في الفقرة الثامنة) خطوات ملموسة من قبل المتقدمين لدعم الجهود الأمنية التركية. تم اتخاذ بعض الخطوات. على سبيل المثال، تم تعزيز أحكام مكافحة الإرهاب في الدستور السويدي، ورفع حظر الأسلحة المفروض في عام 2019، وتم تسليم واحد على الأقل من المشتبه بهم بالإرهاب. لكن تقدم ستوكهولم لم يلب الحد الأدنى من التوقعات في أنقرة، التي تريد المزيد من عمليات تسليم المجرمين بشكل أسرع، وكذلك اتخاذ إجراءات ضد الأنشطة العامة المؤيدة لحزب العمال الكردستاني.

كي تكون المفاوضات فعالة ومثمرة، ينبغي أن تستند على المذكرة الثلاثية. نقطة الاختلاف الرئيسية هي عدم رغبة السويد في تسليم حوالي 130 إرهابياً مشتبهاً بهم بسرعة تعتقد أنقرة أن لهم صلات بحزب العمال الكردستاني ودعمهم للانقلاب الدموي الفاشل في 15 يوليو 2016. كما تظل هناك نقطة شائكة رئيسية واحدة تتمثل بوحدات حماية الشعب الكردية الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني. ألزمت الفقرة الخامسة من المذكرة الثلاثية المتقدمين بمعاملة جميع “المنتسبين” لحزب العمال الكردستاني على أنهم حزب العمال الكردستاني. اعتمدت الحكومة السويدية السابقة على الدعم الحاسم من سياسي مؤيد لحزب العمال الكردستاني، وقدمت ما يصل إلى 376 مليون دولار لدعم “الإدارة المستقلة لشمال شرق سوريا”. الحكومة السويدية المحافظة الحالية التزمت بعدم دعم الجماعات التي تعتبرها أنقرة إرهابية، لكنها لم تتخذ خطوات حاسمة في قطع الدعم عن الإدارة الذاتية.

إن إطالة أمد المفاوضات بشأن عضوية السويد في الناتو لا يصب في مصلحة الأطراف المعنية بذلك. في السنوات الأخيرة، التي شهدت توتراً متزايداً في العلاقات التركية الغربية، نادراً ما أظهر أردوغان ليونة في العمل مع الغربيين كما يفعل الآن. بالإضافة إلى تمرير عضوية فنلندا، قررت حكومة أردوغان وقف نقل البضائع التي تخضع لعقوبات غربية إلى روسيا اعتباراً من هذا الشهر في استجابة للهواجس الغربية من العلاقات التجارية المتنامية بين أنقرة وموسكو بعد الحرب الروسية الأوكرانية. كما يولي أردوغان أهمية متزايدة للحصول على الدعم المالي الغربي لتعافي تركيا من الزلزال. من المهم أن يتلقف الغرب هذه الليونة للعمل الجاد مع أردوغان والتخلي عن انتظار نتائج الانتخابات التركية المقبلة، لأن فرص أردوغان في إعادة انتخابه رئيسياً لا تزال مرتفعة رغم القوة التي يُظهرها تحالف المعارضة. من غير المحتمل أن يكون التقدم في المفاوضات التركية السويدية سهلاً وسريعاً، ولكن نظرًا للمزايا المتبادلة التي ستتمتع بها السويد وحلف شمال الأطلسي وتركيا، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى الموافقة النهائية على التوسيع.

إقرأ أيضاً: