كيف يبدو الستاتيكو الانتخابي الراهن في تركيا؟

يمنح تخلي حزب الشعوب الديمقراطي الكردي عن تقديم مرشح رئاسي دفعة إضافية لمرشح ائتلاف المعارضة كمال قليجدار أوغلو لتعزيز فرص فوزه بالرئاسة، لكنّ فعالية هذه الدفعة مرهونة بالتحديات التي تواجه التحالف السداسي واكتمال خارطة التحالفات الحزبية.

بدا مرشح التحالف السداسي للمعارضة التركية كمال قليجدار أوغلو واثقاً أكثر من أي وقت مضى بقدرته على الفوز في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى بالتزامن مع الانتخابات التشريعية في الرابع عشر من مايو أيار الماضي بعدما أعلن تحالف العمل والحرية بقيادة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي أنّه لن يُقدم مرشحاً خاصاً به للانتخابات الرئاسية. ومع أن الرئيسين المشاركين لحزب الشعوب لم يذكرا صراحة أنّهم سيدعمون قليجدار أوغلو، لكنّ حديثهما عن الحاجة إلى إنهاء ما وصفاه بحكم الرجل الواحد في إشارة للرئيس رجب طيب أردوغان كان بمثابة إشارة دعم واضحة لقليجدار أوغلو.

هناك سببان رئيسيان لإخراج الصفقة التي أبرمها قليجدار أوغلو وقادة الحزب بعد لقائهما الأسبوع الماضي بهذا الشكل الغامض. أولاً، على الرغم من أن حزب الشعوب الديمقراطي يلتقي مع التحالف السداسي المعارض على هدف رئيسي واحد على الأقل، وهو هزيمة أردوغان في الانتخابات، إلآّ أن الحزب لا يزال مُتشككاً على ما يبدو بقدرة قليجدار أوغلو على تنفيذ الوعود (المُعلنة وغير المُعلنة) التي قدّمها له ويُرهن تحويل الدعم الضمني إلى علني بالحصول على ضمانات ملموسة. كما أنّه لا يزال على موعد الانتخابات ما يقرب من  شهر ونصف وهي فترة يُمكن أن تحدث فيها تطورات كثيرة قد تُربك حسابات الطرفين. وثانياُ، يُقضل قليجدار أوغلو أن يكون الدعم له من جانب حزب الشعوب الديمقراطي غامضاً بهذا الشكل لتجنب أي ارتدادات سلبية على وحدة التحالف السداسي، حيث أن الانخراط العلني في تحالف مع حزب الشعوب يُحرج على وجه الخصوص الحزب الجيد القومي أمام قاعدته الانتخابية التي ترفض أي تحالف انتخابي مع الحزب الكردي. 

السؤال الجوهري الآن يتمحور حول ما إذا كان دعم حزب الشعوب الديمقراطي لقليجدار أوغلو سيؤدي بالفعل إلى فوزه في الانتخابات الرئاسية. في لغة الأرقام، يبدو ذلك واقعياً. مع أن الكثير من استطلاعات الرأي التي أجريت في الآونة الأخيرة لا يُمكن الأخذ بمصداقيتها بشكل كامل خصوصاً أنّها تُعطي نتائج متضاربة إلى حد كبير بين الكتلة التصويتية التي سيحصل عليها كل من قليجدار أوغلو وأردوغان، إلآّ أنّه يُمكن الاسترشاد بعض الشيء بالاستطلاعات التي تُجريها شركة أوبتيمار التي توصف بالمستقلة، سيما وأنها كانت واحدة من بين الشركات التي تنبأت بشكل صحيح في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عامي 2014 و 2018 والاستفتاء الدستوري في عام 2017. تُشير أحدث استطلاعات الشركة إلى أن مُعدل التصويت لأردوغان وصل إلى 47.4 في المئة ولقليجدار أوغلو بنحو 45.3٪، ما يُشير إلى أن الطرفين غير قادران على الحصول على نسبة الخمسين زائد واحد اللازمة لضمان الفوز في الجولة الرئاسية الأولى. على اعتبار أن الكتلة التصويتية لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي تقرب من 9.5% وفق استطلاعات أوبتيمار، فإنها حسابياً ستساعد قليجدار أوغلو في تجاوز عتبة الخمسين زائد واحد والفوز بالرئاسة دون الحاجة إلى الذهاب لجولة ثانية.

لكنّ مصداقية الأرقام في هذه المعادلة الانتخابية مرهونة أيضاً من جهة بالتأثير المحتمل للتعاون الانتخابي بين حزب الشعوب الديمقراطي وقليجدار أوغلو على الكتلة التصويتية لأحزاب التحالف السداسي لا سيما الأصوات القومية، ومن جهة ثانية بالشكل النهائي لخارطة التحالفات الحزبية والتموضع النهائي للأحزاب الأخرى التي لم تحسم بعد ما إذا كانت ستنضم لأي من التحالفين الرئيسيين (الجمهور والأمة). بالنسبة للتأثير المحتمل على التحالف السداسي، فإن بعض التقديرات الواقعية جزئياً تُشير إلى أن دعم حزب الشعوب لقليجدار أوغلو قد يدفع بالأصوات القومية في الحزب الجيد إلى عدم التصويت له، وتُقدر بنحو 5%. كما أن هناك تقديرات أخرى تُشير إلى أن نحو 3% من الأصوات القومية في حزب الشعب الجمهوري قد تمتنع عن التصويت لقليجدار أوغلو. هنا، تبرز أهمية الصيغة الغامضة التي خرجت بها الصفقة بين قليجدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي، والتي يُعول عليها قليجدار أوغلو للحد من خسارة الأصوات القومية في التحالف السداسي. في حال استطاع قليجدار أوغلو خفض معدل خسارة الأصوات القومية المحتملة، فإن التعاون الانتخابي مع حزب الشعوب سيكون مربحاً. لكن في حال أدى التعاون مع حزب الشعوب إلى عودة الأصوات القومية في الحزب الجيد إلى حزب الحركة القومية الأم حليف أردوغان، فإن فوائد دعم حزب الشعوب على قليجدار أوغلو ستتقلص. يُراهن قليجدار أوغلو على أن الأصوات القومية في التحالف السداسي، حتى لو قررت عدم التصويت له، فإنها لن تدعم أردوغان في الانتخابات الرئاسية.

في غضون ذلك، تبرز خارطة التحالف الحزبية كلاعب أساسي آخر في ترجيح موازين القوى في المنافسة الانتخابية لا سيما الرئاسية منها. نجح أردوغان في استقطاب كل من حزب الدعوة الحرة الكردي المحافظ وحزب الرفاه المحافظ إلى تحالف الجمهور. مع أن القاعدة التصويتية لحزب الدعوة الحرة الكردي لا تتجاوز الواحد في المئة، إلآّ أن أردوغان يُعول على التحالف معه لاسترجاع الأصوات الكردية التي خسرها حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة، ومن جانب آخر لاستقطاب الناخبين الأكراد الآخرين الذين يبحثون عن أفق جديد لإعادة تنشيط الحالة السياسية الكردية ودمجها في السياسة التركي بعيداً عن مشروع الصدام الذي يتبناه حزب العمال الكردستاني المُصنف إرهابياً. ويُعتقد أن حزب الدعوة الحرة سيتمكن من استقطاب بعض الناخبين من الكتلة التصويتية لحزب الشعوب الديمقراطي لا سيما أولئك الذين سئموا من الصدام بين الحالة السياسية الكردية والدولة التركية. في سياق آخر، فإن انضمام حزب الرفاه المحافظ إلى التحالف الحاكم سيُعزز القاعدة التصويتية لأردوغان بين المحافظين عموماً. كنتيجة لتبني التحالف السداسي ترشيح قليجدار أوغلو ذي الميول العلمانية العميقة وهويته الدينية كعلوي، يُراهن أردوغان على دعم شريحة من الأصوات المحافظة في الكتلة التصويتية لبعض أحزاب التحالف السداسي المعارض كأحزاب السعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم. مع أن الكتلة التصويتية لهذه الأحزاب صغيرة للغاية، لكنّ أي تقلبات فيها ستكون لها تأثير في المنافسة الرئاسية خصوصاً في ظل تقارب نسب التصويت بين أردوغان وقليجدار أوغلو. 

على الرغم من أن التحالف السداسي المعارض يُقدم جبهة متماسكة جزئياً تجمع الآن حزبين معارضين رئيسين هما حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد، فضلاً عن حزب الشعوب الديمقراطي الذي أضحى بحكم الأمر الواقع شريكاً غير رسمي للطاولة السداسية، إلآّ أن التحالف يواجه بعض التحديات المتمثلة في الحفاظ على قاعدته التصويتية من جهة وفي استمالة بعض الأحزاب الصغيرة الأخرى المؤثرة في المنافسة كحزب الوطن بزعامة محرم إينجه الذي أعلن اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية.

تُعطي استطلاعات الرأي لشركة أوبتيمار إينجه ما يقرب من 6.5 ٪ من الأصوات، وبالتالي فإن تموضعه الانتخابي سيلعب هو الآخر دوراً حاسماً في المنافسة الرئاسية. يُمارس قليجدار أوغلو ضعوطاً على إينجه لإشراكه في التحالف السداسي وفي حال نجح في ذلك، فإن انضمام إينجه للتحالف سيُعزز فرص قليجدار أوغلو بالفوز على نحو أكبر. لكنّه في حال إصرار إينجه على مواصلة الترشح، فإن ذلك سيخدم أردوغان بقدر أكبر من قليجدار أوغلو. أخيراً، يبرز عامل آخر في المنافسة الانتخابية ويتمثل بالأصوات المترددة التي لم تحسم خياراتها بعد وتُقدر بنحو 12% وخيارها الانتخابي تحكمه سلسلة من العوامل على رأسها القناعة التي ستتوفر لديها حول من تراه أفضل لقيادة تركيا بين أردوغان وقليجدار أوغلو. لذا، فإن الخطاب الانتخابي للمرشحين الرئيسيين سيتركز في الفترة المتبقية للانتخابات على كيفية استقطاب هذه الأصوات وتقديم رؤية مؤثرة على سلوكها الانتخابي. انطلاقاً من ذلك، فإنه بقدر ما أن دعم حزب الشعوب الديمقراطي لقليجدار أوغلو سيُحدث تحوّلاً في ديناميكية المنافسة الانتخابية، فإن قدرته على لعب دور صانع الملوك مرهون بتحرّكات العوامل الأخرى سالفة الذكر. 

إقرأ أيضاً: