محمود علوش ـ باحث في مركز تحليل السياسات
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة أن تركيا ستبدأ إجراءات التصديق في البرلمان على طلب انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، وليس طلب انضمام السويد، ليزيل بذلك أكبر عقبة متبقية أمام توسيع التحالف مع استمرار الحرب في أوكرانيا. وقال أردوغان في مؤتمر صحفي مع نظيره الفنلندي سولي نينيستو في أنقرة إن هلسنكي فازت بمباركة أنقرة بعدما اتخذت خطوات ملموسة للوفاء بتعهداتها بملاحقة من تعتبرهم تركيا إرهابيين والتراجع عن حظر تصدير الأسلحة لتركيا. وأضاف أن تركيا ستواصل المباحثات مع السويد حول القضايا المتعلقة بالإرهاب وسيتوقف طلب السويد الانضمام إلى الحلف بشكل مباشر على الإجراءات التي سيجري اتخاذها.من المتوقع أن يجتمع البرلمان التركي قبل منتصف أبريل نيسان المقبل للمصادقة على ضم فنلندا لحلف شمال الأطلسي، لكن هذه الخطوة تشير إلى تضاؤل الآمال بإمكانية تصديق تركيا على ضم السويد إلى الحلف قبل الانتخابات التركية المقررة في الرابع عشر من مايو أيار المقبل. مع ذلك، لا ينبغي استبعاد فرضية حصول مفاجئات في الأسابيع الثلاثة المتبقية لجلسة المصادقة على عضوية فنلندا.
لقد تقدمت السويد وفنلندا العام الماضي بطلب للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا،ـ لكنهما واجهتا اعتراضات غير متوقعة من جانب تركيا. يجب أن تصادق برلمانات الدول الأعضاء في الحلف، البالغ عددها 30 دولة، على أي طلب للانضمام. المجر وتركيا هما البلدان الوحيدان اللذان لم يمنحان فنلندا والسويد الضوء الأخضر بعد لنيل عضوية الحلف. على الرغم من أن السويد تقول إنها أوفت بتعهداتها لتركيا بموجب المذكرة الثلاثية المبرمة في يونيو حزيران الماضي برعاية حلف الناتو، إلآّ أن أنقرة قالت مرارا إن ستوكهلوم بحاجة إلى اتخاذ خطوات إضافية ضد مناصري المسلحين الأكراد وأعضاء الشبكة التي تحملها أنقرة مسؤولية محاولة انقلاب حدثت عام 2016.
كان الأمل الوحيد المُتبقي لدفع عملية انضمام البلدين إلى الحلف يقوم على الجولة الأخيرة من المفاوضات بين البلدان الثلاثة في بروكسل الأسبوع الماضي، لكنها لم تُفسر سوى عن تقدم ضئيل، حيث أقر رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون علنًا بإمكانية الانضمام المنفصل لأول مرة. قال كريسترسون إن احتمال انضمام دولتين إلى التحالف في مواعيد مختلفة قد ازداد في الأسابيع الأخيرة. يبرز طلب تركيا لتسليم عشرات الأشخاص باعتباره المأزق الرئيسي الذي يعيق محاولة السويد. تسعى الحكومة التركية أيضًا إلى تجميد الأصول وفرض قيود على الأنشطة ضد الجماعات التي تعتبرها أنقرة منظمات إرهابية. السويد هي موطن لكثير من المؤيدين لحزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن. ويُمثل الشتات الكردي حوالي 1 ٪ من إجمالي السكان السويديين.
هناك ستة أسباب تُفسر موافقة تركيا على تمرير عضوية فنلندا دون السويد في الوقت الراهن:
ـ أولاً، ليس لدى تركيا خلافات مع فنلندا كما هو الحال مع السويد خصوصاً في مسائل وجود مؤيدين لحزب العمال الكردستاني وتنظيم فتح الله غولن المُصنفين إرهابيا في تركيا على الأراضي السويدية، فضلاً عن القضية الشائكة بين أنقرة وستوكهولم بخصوص تسليم المطلوبين لتركيا. وبالتالي، لا يوجد ما يمنع مصادقة تركيا على ضم فنلندا إلى الحلف خصوصاً أن الخطوات التي أقدمت عليها الأخيرة لتحقيق التعهدات الواردة من جانبها في المذكرة الثلاثية اعتبرت كافية بالنسبة لأنقرة.
ـ ثانياً، تسعى تركيا من خلال تمرير عضوية فنلندا للتأكيد على أن الفيتو الذي وضعته على ضم البلدين إلى الحلف لا يهدف لعرقلة توسيع الحلف بقدر ما يهدف للضغط على البلدين من أجل تلبية مطالبها المشروعة المتمثلة في تعاون البلدين معها في مكافحة الإرهاب والأخذ بعين الاعتبار هواجسها في هذه القضية فضلاً عن رفع الحظر المفروض من جانب الدولتين في عام 2019 على تصدير الأسلحة إلى تركيا. على الرغم من أن الغربيين كانوا يتطلعون إلى ضم البلدين معاً إلى الناتو، إلآّ أن ضم فنلندا لوحدها حالياً يُعطي دفعة معنوية قوية للتحالف الغربي بعد مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية ويُبدد مقولة أن الانقسامات داخل الناتو تتفوق على الموقف المشترك من التهديد الروسي.
ـ ثالثاً، من المرجح أن أردوغان يتوقع من التمسك بعرقلة ضم السويد إلى الحلف قبل الانتخابات أن يُساعده في تعزيز وضعه الانتخابي وجذب أصوات الناخبين لا سيما القوميين من خلال إظهار أنه قائد قوي لا يتزعزع بسهولة أمام الغرب عندما يتعلق الأمر بقضايا تخص الأمن القومي التركي ومكافحة الإرهاب.
ـ رابعاً، يأمل أردوغان أن تُساعده المصادقة على ضم فنلندا للناتو في إقناع الولايات المتحدة بالتسريع في تمرير صفقة بيع تركيا مقاتلات إف ستة عشر على الرغم من أن احتمال حدوث هذا الأمر يبدو ضئيلاً قبل ضمان مصادقة أنقرة على ضم السويد أيضاً إلى الحلف ولو كان ذلك بعد الانتخابات.
ـ خامساً، يأمل أردوغان أن يؤدي تمرير المصادقة على ضم فنلندا إلى زيادة الضغط على السويد من أجل تلبية كافة المطالب التركية الواردة في مذكرة التفاهم الثلاثية سواء قبل الفترة المتبقية للانتخابات أو بعدها.
ـ سادساً، بالنظر إلى أهمية القمة المرتقبة لحلف الناتو في يوليو تموز الماضي، والتي ستُركز بشكل أساسي على جهود توسيع الحلف، فإن تركيا لا تُريد أن تظهر في القمة على أنّها عامل مفسد لطموحات الحلف بالتوسع، وبالتالي من شأن إنجاز تقدم جزئي في هذه المسألة أن يحظى بترحيب القادة الغربيين في جانب وأيضاً يُعزز الحاجة الغربية إلى مواصلة استمالة أردوغان من أجل المصادقة على ضم السويد أيضاً في المستقبل.
على الرغم من الاعتقاد السائد في بعض الدوائر الغربية منذ طرح أنقرة اعتراضها على ضم البلدين إلى الناتو بأن أردوغان سعى لخطب ود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خصوصاً أن الشراكة، التي تنامت بين أنقرة وموسكو بعد الحرب الروسية الأوكرانية في المجالات الاقتصادية والجيوسياسية، حققت لتركيا فوائد كبيرة إن على صعيد تعزيز شراكتها الاقتصادية والتجارية مع روسيا أو على صعيد إقناع روسيا بالموافقة على ممر تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود وأيضاً على صعيد الدور الذي تقوم به موسكو كوسيط بين أنقرة ودمشق من اجل إصلاح العلاقات بينهما، إلآّ أن تركيا لا تزال تنظر إلى عضويتها في الناتو وشراكتها مع الغرب على أنها حيوية في تحقيق توازن في شراكتها مع روسيا. كما أن أنقرة تنظر إلى قوة الناتو على أنّها تُشكل قوة لها في المعادلة الجيوسياسية مع روسيا. لذلك، فإن انضمام دول جديدة إلى الحلف من شأنه أن يجعل الحلف أكثرة قوة في مواجهة التحديات التي فرضتها الحرب الروسية على أمن ضفتي الأطلسي. في ضوء ذلك، فإن المكاسب التي تسعى أنقرة لتحقيقها في قضية توسيع الناتو تتعلق بشكل رئيسي برغبتها في تصحيح علاقاتها مع الغرب ودفع الدول الغربية إلى تغيير مقاربتها في القضايا الأساسية التي تهم تركيا كمسألة مكافحة الإرهاب.
أخيراً، بالنظر إلى أن الانتخابات المقبلة في تركيا ستلعب دوراً حاسماً في تحديد فرص تخلي أنقرة عن معارضة انضمام السويد إلى الحلف الناتو، فإن الموقف الذي ستُفرزه الانتخابات، سيُعظم بكل الأحوال هذه الفرص. في حال تمكن أردوغان من البقاء في السلطة، فإنه سيُصبح أكثر مرونة فيما يتعلق بقضية السويد. لكنّ التفاؤل الغربي بهذا الخصوص يجب أن لا يكون مفرطاً. إن مسألة توفير السويد مساحة لأنشطة التنظيمات التي تُصنفها تركيا إرهابية على الأراضي السويدية تكتسب أهمية كبيرة في حسابات الأمن القومي التركي، وإن بدت العوامل المرتبطة بالانتخابات التركية تلعب دوراً فيها. لذلك، قبل أن تُعالج السويد المطالب التركية كاملة، فإنه من غير المتوقع أن تصادق أنقرة على ضمها إلى الناتو حتى بعد فترة الانتخابات. أما في حال فازت المعارضة التركية، فإنه من المرجح أن تكون مرنة بقدر أكبر من أردوغان في مسألة توسيع الناتو، لا سيما أن أحد الأولويات التي تُقدمها في مشروعها للسياسة الخارجية التركية هو تحسين علاقاتها مع الغرب.