ثلاث خلاصات بارزة تُخبرنا بها حرب أوكرانيا
ثلاث خلاصات بارزة تُخبرنا بها حرب أوكرانيا
ثلاث خلاصات بارزة تُخبرنا بها حرب أوكرانيا

ثلاث خلاصات بارزة تُخبرنا بها حرب أوكرانيا

هناك 3 خلاصات بارزة يخبرنا بها عام من الحرب الروسية على أوكرانيا. العيوب الاستراتيجية التي أظهرتها الحرب لدى روسيا خصوصاً في الجوانب العسكرية وافتقار الغرب إلى استراتيجية واضحة لإجبار بوتين على التراجع وهشاشة القواعد التي تُدير نظام ما بعد الحرب الباردة.

طوت الحرب الروسية على أوكرانيا عامها الأول على مشهد لم يكن أكثر المتفائلين في كييف والغرب ولا أكثر المتشائمين في موسكو يتصوره. مع استثناء أن الحرب تسببت حتى اليوم بالكثير من الخسائر البشرية للطرفين ودمار أوكرانيا وأحدثت تحوّلات هائلة على البيئة الأمنية الأوروبية وعلى علاقات روسيا بالغرب، إلآّ أن العام المنصرم منها لم يُغيّر بشكل حاسم من الصراع على الأرض. مع أن روسيا نجحت خلال هذا العام بالسيطرة على 40 ألف ميل مربع من الأراضي الأوكرانية في الجنوب والشرق، أي ما يُعادل 17% من مساحة أوكرانيا، إلاّ أنها فقدت منذ قرارها ضم أربعة أقاليم أوكرانيا إلى الاتحاد الروسي في سبتمبر أيلول الماضي الأراضي في جميع هذه الأقاليم باستثناء زاباروجيا وتخوض منذ فترة معارك شرسة مع أوكرانيا في الشرق. كما أنها فقدت بعد ذروة مكاسبها العسكرية السيطرة على خمس ما يقرب من 132 ألف كيلومتر مربع من الأراضي. بعد عام من الحرب، أصبح الجانبان عالقين في طريق مسدود ويستعدان لما يُعتقد أنها معركة حاسمة هذا الربيع. لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن موسكو ستتمكن في المستقبل المنظور من تغيير مسار الحرب لصالحها. على الرغم من التغييرات الكبيرة التي أجرتها على قيادتها العسكرية في أوكرانيا واستفادتها المفترضة من دروس الإخفاقات العسكرية السابقة، إلآّ أن كييف تبدو الآن أكثر قدرة على استيعاب موجة جديدة من الحرب، كما أن حجم الانخراط العسكري الغربي إلى جانبها أضحى الآن أكبر بكثير مقارنة مما كان عليه في بداية الحرب. مع ذلك، هنالك ثلاث خلاصات بارزة يُمكن استنتاجها في العام الأول للحرب بمعزل عن المسار المستقبلي لها. 

ثلاث خلاصات بارزة تُخبرنا بها حرب أوكرانيا
ثلاث خلاصات بارزة تُخبرنا بها حرب أوكرانيا

عيوب استراتيجية روسية 

ما أطلق عليها الرئيس فلاديمير بوتين في الرابع والعشرين من فبراير شباط العام الماضي عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا أضحت الآن حرب استنزاف لا تلوح في الأفق القريب نهاية قريبة لها. لقد أربكت النجاحات المبكرة التي حققتها أوكرانيا التقييم الواسع النطاق للعديد من المحللين العسكريين الغربيين الذين منحوا البلاد أملًا ضئيلًا ضد ما اعتقدوا أنه جيش روسي متفوق تم إصلاحه وتحديثه على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية. مع أن عدم وضع بوتين أهدافاً واضحة للحرب في بدايتها يجعل من الصعب الوصول إلى تقييم منهجي حول ما استطاعت روسيا تحقيقه في العام الأول من الأهداف وما عجزت في تحقيقه، إلآّ أن الإخفاقات العسكرية الروسية المتتالية وتقليص قائمة الأهداف من الإطاحة غير المُعلنة بحكومة الرئيس فولودمير زيلينسكي وحماية جمهوريتي لوهانسك ودونيستك المُعلنتين من جانب واحد من الاضطهاد المفترض الذي تمارسه كييف، إلى ضم أربعة أقاليم في سبتمر أيلول الماضي، فضلاً عن التغييرات العديدة التي أجرتها على القيادة العسكرية المسؤولة عن الحرب، تكشف جميعها عن عيوب استراتيجية روسية خصوصاً في النواحي العسكرية والتخطيط المسبق للحرب بما يشمل توقعات دقيقة لقوة الخصم ورد فعل الغرب. في حين أن الهدف العريض الذي وضعه بوتين للحرب هو وقف تمدد حلف شمال الأطلسي باتجاه روسيا، فإن النتائج جاءت معاكسة تماماً. لقد أضحت الشراكة العسكرية بين أوكرانيا والغرب بعد الحرب أكثر من أي وقت مضى، كما أن دول أوروبية أخرى كفلنلدا والسويد قررت التخلي عن حيادها التاريخي والانضمام إلى الناتو. وفي هذا السياق أيضاً، يبدو أن روسيا لم تكن تتوقع أن يرد الغرب بفرض عزلة اقتصادية واسعة عليها وكانت تعتقد أن رد الفعل الغربي لن يتجاوز ما فعله الغرب بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014.

افتقاد الغرب لاستراتيجية واضحة

على عكس ما كان متوقعاً قبل الحرب، نجحت أوكرانيا في الصمود خلال العام الأول. لقد أبلت القوات الأوكرانية بلاءاً حسناً في إدارة الحرب وأضحى عامل الثقة لديها مرتفعاً. كما أن زيلينسكي استطاع حماية نفسه وحكومته من الانهيار ونجح في جر الغرب للانخراط بشكل أعمق في الحرب. مع ذلك، فإنه بعد مرور عام على الصراع، لا يخبرنا ضعف الأداء الروسي والأداء المفرط لأوكرانيا حتى الآن كيف ستنتهي الحرب. في حين أن الدعم العسكري الغربي الواسع لأوكرانيا ساعدها على نحو كبير في إفشال الهجوم الروسي وقد يُساعدها على الأرجح في الصمود في معركة الربيع المنتظرة، إلآّ أن الرهان الأوكراني على الدعم الغربي للانتصار في الحرب لا يبدو واقعياً. يُجمع المسؤولون الأوكرانيون على أن كييف لم يكن بمقدورها تحقيق نتائج جيدة بدون الدعم العسكري الغربي، لكنّهم يواجهون حقيقة صعبة تتمثل في أن الغرب لا يزال متردداً في أن يؤدي انخراطه في الصراع إلى هزيمة روسيا لاعتبار بسيط هو أن محاولة هزيمة بوتين ستؤدي حتماً إلى تصعيد مخاطر تطور الحرب إلى مواجهة عسكرية بين روسيا والغرب. بهذا المعنى، فإن أهداف الدعم الغربي لأوكرانيا تقتصر على مساعدتها في الصمود وتقوية موقفها في أي مفاوضات سلام مستقبلية وليس الانتصار الذي تُريده كييف. 

تزايد مخاطر التنافس الجيوسياسي العالمي

منحت الحرب زخماً قوياً لعصر جديد من التنافس الجيوسياسي بين القوى العالمية الكبرى. مع أن معظم المعلقين والساسة في موسكو والغرب يُجمعون على أن هذه الحرب أعادت إحياء الحرب الباردة بين روسيا والغرب، إلآّ أن سياقاتها الدولية خلقت في الواقع نسخة متطورة من الحرب الباردة. ممن جانب، يؤدي الانخراط الغربي المتزايد في دعم كييف والعقوبات الغربية الكاسحة على روسيا إلى تصعيد مخاطر المواجهة بين موسكو والغرب. ومن جانب آخر، تشترك الصين مع روسيا حالياً في هدف تقويض الهيمنة الغربية على النظام الدولي. على الرغم من أن بكين لا تزال تعزل نفسها عن الانخراط في دعم قوي لموسكو في الحرب، إلآّ أنها تنظر إلى الصراع على أنّه اختبار لقوة الغرب بقيادة الولايات المتحدة في الحفاظ على القواعد التي تُدير النظام العالمي منذ نهاية الحرب الباردة. يعتقد الغربيون أن فشلهم في منع بوتين من تحقيق أهدافه في أوكرانيا سيُشجع الصين على إعادة الوحدة مع تايوان بالقوة. من الملاحظ أن حرب أوكرانيا حرّكت ديناميكية تنافس القوى الكبرى في آسيا أيضاً. تعمل الولايات المتحدة منذ عام على حشد حلفائها في تلك المنطقة من أجل احتواء الصين. بهذا المعنى، فإن الحرب الروسية الأوكرانية تبدو أكبر من مُجرد إعادة إحياء الحرب الباردة بالشكل الذي كانت عليه وأطلقت العنان لصراع عالمي أوسع نطاقاً بين الشرق والغرب على إعادة تشكيل النظام الدولي يفتقر إلى القواعد الصارمة لمنع خروجه عن السيطرة.

إقرأ أيضاً: