هل تنجح تركيا وإسرائيل بإصلاح كامل للعلاقات؟

مجال الطاقة من أهم قضايا التعاون المحتملة، لكن إسرائيل ترهن ذلك باقتناعها بأن العلاقات مع تركيا قد استقرت وبأن مساعي أنقرة ليست مجرد مناورة أخرى من أردوغان

أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو زيارة إلى إسرائيل لإجراء محادثات مع المسؤولين الإسرائيليين حول سبل دفع عملية إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين. هذه الزيارة هي الأولى لوزير خارجية تركي إلى إسرائيل منذ ما يقرب من عقد ونصف وهي تشكل أهمية كبيرة على صعيد مساعي أنقرة لإصلاح العلاقات مع تل أبيب بعد سنوات طويلة من التوتر. مجال الطاقة من أهم قضايا التعاون المحتملة بين البلدين حالياً. أوضحت إسرائيل أن مشروع مد خط أنابيب غاز بين البلدين، والذي يتطلب استثمارات طويلة الأجل، لن يتم إطلاقه إلا بعد أن يقتنع المسؤولون الدبلوماسيون بأن العلاقات مع تركيا قد استقرت. لا تزال هناك حاجة للاتفاق على إعادة تبادل السفراء.

على مدى العقد الماضي، لم تعرف العلاقات التركية الإسرائيلية استقراراً طويل الأمد قط. في عام 2010 أدّى الهجوم الإسرائيلي على أسطول “مافي مرمرة” التركي لكسر الحصار على غزة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. وفي مارس/ آذار 2013، اعتذرت إسرائيل عن الهجوم في محاولة لفتح بابٍ لتطبيع العلاقات. لكنّ العلاقات سُرعان ما عادت إلى التوتر بعد كشف تركيا عملاء إسرائيليين في إيران في أكتوبر/ تشرين الأول 2013. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2015 عُقد اجتماع سرّي بين تركيا وإسرائيل للتفاوض حول إعادة العلاقات الدبلوماسية قبل التوصل إلى اتفاق بين البلدين، لبدء تطبيع العلاقات في يونيو/ حزيران 2016. لكن هذه المساعي انهارت مرة أخرى بعدما هدّد أردوغان بقطع العلاقات بسبب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل، إلا أن هذا لم يحدث. وفي 2018، رحّلت تركيا السفير الإسرائيلي وأهانته بفحص أمني رداً على مقتل 61 فلسطينياً خلال الاحتجاجات على طول الحدود مع غزة، وسحبت سفيرها في تل أبيب. ولا يزال على البلدين إعادة السفراء إلى مناصبهم، لكنهما لم يخفضا مستوى العلاقات على الرغم من الخلافات.

في الوقت الراهن، تبدو فرص إعادة التطبيع أكبر من أي وقت مضى، بفعل غياب معظم العقبات التي عرقلت خلال العقد الماضي عملية إحداث استقرار طويل الأمد في العلاقات. فمن جانب، ساهم رحيل نتنياهو عن السلطة في فتح آفاق جديدة في هذه العلاقات. كما أدّت خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة إلى تجميد مشروع صفقة القرن، بينما ساعد إصلاح العلاقات التركية الإماراتية والتهدئة بين أنقرة والقاهرة في توفير ظروف إقليمية مناسبة لكل من تركيا وإسرائيل في مساعي إعادة التطبيع.

مع ذلك، ظلت عقبة أخرى تتمثل في موقفي تركيا وإسرائيل المتعارضين إزاء الصراع على الطاقة في شرق البحر المتوسط. ولكنّ هذه العقبة بدأت تتبدّد بعد سحب إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، دعمها مشروع ميد إيست بين إسرائيل واليونان وقبرص الجنوبية لنقل الغاز إلى أوروبا بمعزل عن تركيا التي تتطلع حالياً إلى الاستفادة من هذه التحولات لفتح مسار جديد مع إسرائيل، بما يُساعدها في عملية إعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية وجني الفوائد على المستويين، السياسي والاقتصادي. بعد إصلاح العلاقات التركية الإماراتية، أُثيرت إمكانية إقامة مشاريع ثلاثية تركية إسرائيلية إماراتية. بالنّظر إلى عدم حماسة أردوغان لبناء علاقة شخصية مع رئيس الوزراء نفتالي بينت الذي لا يختلف عن سلفه نتنياهو لناحية التوجهات اليمينية المتطرّفة، فقد اختار هرتسوغ ليكون الشخص الرئيسي في هذه العملية.
تُساعد التهدئة الإقليمية السائدة في تمهيد الأرضية لإعادة إصلاح العلاقات. مع ذلك، فإن حقيقة أن الموقف من القضية الفلسطينية لطالما شكّل عاملاً مفسداً للعلاقات بين البلدين، ستبقى تحول دون عودة طبيعية لهذه العلاقات. يُضاف إلى ذلك، أن المسؤولين الإسرائيليين لا يزالون متشككين على ما يبدو من نوايا أردوغان وما إذا كان جاداً بالفعل في فتح صفحة جديدة في العلاقة مع إسرائيل أم يسعى للمناورة بسبب الضغوط الداخلية والدولية التي يتعرّض لها منذ سنوات.

على وجه الخصوص، ترى إسرائيل أن محاولات تركيا لتعزيز العلاقات مع دول أخرى في المنطقة، مثل مصر والإمارات، تهدف إلى مساعدة الرئيس رجب طيب أردوغان على إخراج بلاده من الأزمة الاقتصادية الحادة. تشعر الشخصيات السياسية الإسرائيلية بالقلق من أن المزيد من التقلبات من جانب الزعيم التركي، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، قد يؤدي إلى انهيار آخر بعد تبادل السفراء مباشرة. أحد المطالب الرئيسية لإسرائيل قبل تعزيز العلاقات هو أن تعمل أنقرة بجدية أكبر لوقف أنشطة حماس في تركيا، وأن تتخذ موقفًا متشددًا ضد إجراءات حماس ضد الإسرائيليين وفق ما ذكرته مؤخراً صحيفة هآرتس الواسعة الانتشار في إسرائيل.

في الوقت نفسه، تريد كل من إسرائيل وتركيا تعزيز التنسيق مع بعضهما البعض عندما يتعلق الأمر بهجماتهما في سوريا. كلاهما يرى في الوجود الإيراني في سوريا تهديدًا لاستقرارهما ، فكل منهما ينشط في الجو فوق سوريا، وكل منهما يتعامل مع الوجود العسكري الروسي هناك. ويهتم كلا البلدين بتحسين الحوار حول هذه القضية لمنع الضرر التركي للطائرات الإسرائيلية والعكس بالعكس. لكن تركيا التي تتمتع بعلاقات مستقرة مع إيران تفضل على ما يبدو عدم لفت الأنظار إلى هذا الأمر، وأنها لن تضع نفسها في طليعة الصراع ضد النظام في طهران، وبالتالي تخاطر بتهديد مصالحها المتعددة مع إيران.

إقرأ أيضاً: