حرب إسرائيلية على لبنان لن تُضعف حزب الله

يرفض كثير من اللبنانيين الحرب لأنهم بالكاد يُكافحون للتعايش مع الأزمة الاقتصادية الكبيرة ويعتقدون أن حزب الله ورط لبنان في هذا الصراع لتحقيق أهداف إيرانية. وقد يعتقد خصوم الحزب أن الحرب ستضعفه وتقوض هيمنته الداخلية، لكنّ مثل هذا الاعتقاد لا يبدو واقعياً.

ترتفع بشكل متزايد مخاطر اندلاع حرب واسعة بين إسرائيل وحزب الله. ومن الواضح بعد ثمانية أشهر من الهجمات اليومية المتبادلة بين الطرفين أن قدرتهما في مواصلة اللعب على حافة الهاوية دون السقوط فيها تضعف مع مرور الوقت. ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب أهمّهما أن اعتقاد كل طرف بأن الآخر لا يُريد مثل هذه الحرب شجّعهما على الإفراط في الفعل وردة الفعل بطريقة تزيد من مخاطر وقوع خطأ في الحسابات. لكن التكاليف الباهظة، التي ستجلبها حرب واسعة على كل من إسرائيل وحزب الله، تُبقي على هامش معقول للدبلوماسية التي يقودها الوسطاء للعمل على نزع فتيل الحرب والتوصل إلى تسوية مُرضية للجانبين. بينما يستخدم حزب الله تصعيد هجماته على إسرائيل في الآونة الأخيرة كوسيلة لتذكير الإسرائيليين بالتكاليف الباهظة للحرب، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستخدم التلويح بالحرب كورقة ضغط على الحزب ولإظهار أن إسرائيل مُستعدة لتصعيد أكبر بمعزل عن مسار حربها على قطاع غزة. 

مع ذلك، فإن استعراض القوة المتبادل بشكل مُفرط يُمكن أن يؤدي في النهاية إلى حرب أوسع نطاقاً بين الطرفين. ومن المؤكد أن مثل هذه الحرب ستجلب كارثة كبيرة على مستوى القتل والدمار المتبادل لا يُمكن تصوره وسُرعان ما ستنزلق على الأرجح إلى حرب إقليمية. وتبدو الولايات المتحدة أكثر إدراكاً لخطورة الوضع مقارنة بنتنياهو المتهور وحزب الله المندفع. وقد حذر الجنرال تشارلز براون رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة من إن أي هجوم إسرائيلي على لبنان قد يزيد مخاطر نشوب صراع أوسع تنجر إليه إيران والمسلحون المتحالفون معها، لا سيما إذا تعرض وجود حزب الله للتهديد. لقد دفعت إيران بوكلائها المنتشرين في المنطقة إلى الانخراط في حرب السابع من أكتوبر عبر فتح جبهة على إسرائيل من جنوب لبنان واستهداف القوات الأمريكية في سوريا والعراق وعرقلة حركة مرور السفن في البحر الأحمر عبر الحوثيين في اليمن بهدف إظهار الدعم لحركة حماس في غزة. لكنّ حرباً على حزب الله سُتعمق انخراط الوكلاء فيها بشكل أكبر مما يبدو عليه الوضع حالياً وقد تؤدي أيضاً إلى تورط أطراف أخرى فيها. 

وبمعزل عن السيناريوهات المُحتملة للصراع في حال اندلاع حرب واسعة، إلآّ أنه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن إسرائيل قادرة على تحقيق نصر سريع فيها أو حتى إضعاف حزب الله. لدى الحزب إمكانات عسكرية كبيرة وهو قادر على مقاومة اجتياح بري مُحتمل لجنوب لبنان لفترة طويلة. وتُقدر ترسانته الصاروخية بأكثر من مئة وخمسين ألف صاروخ. ويُعتقد أن لديه شبكة أنفاق واسعة في المناطق المحاذية للحدود مع إسرائيل ما يُرجح فرضية أن يقوم بهجمات برية عبر الحدود على غرار هجوم حماس في السابع من أكتوبر. كما أنه من غير المتصور بأي حال أن تتمكن إسرائيل من القضاء على الترسانة الصاروخية الكبيرة للحزب. علاوة على ذلك، سيتعين على القادة الإسرائيليين الأخذ بعين الاعتبار التكاليف الباهظة لمثل هذه الحرب قبل التفكير في القيام بها. ويبدو أن هذه التكاليف هي من أخرت حتى الآن سيناريو الحرب وأفسحت المجال أمام الوساطات الدبلوماسية لنزع فتيل التصعيد. لقد صمم حزب الله انخراطه في حرب السابع من أكتوبر كوسيلة لإظهار الدعم للمقاومة الفلسطينية في غزة، لكنّه ينظر إلى حرب غزة على أنها اختبار وجودي للحزب نفسه لأنّه يعتقد أنه سيكون الهدف التالي في حال نجاح إسرائيل في القضاء على حركة حماس وإخراج غزة من معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويبدو هذا الاعتقاد صحيحاً إلى حد كبير. 

تُظهر آخر حرب واسعة خاضها الطرفان في عام 2006 حقيقة مُزعجة للإسرائيليين وهي أن حزب الله خرج منها أقوى مما كان عليه قبلها. كما أنّه أحكم قبضته منذ تلك الفترة على السياسة الداخلية في لبنان. إن حرباً إسرائيلية مُحتملة على لبنان ستزيد من المشاكل الخطيرة التي يواجهها هذا البلد على كافة المستويات. ويرفض كثير من اللبنانيين مغامرة حزب الله لأنهم بالكاد يُكافحون للتعايش مع الأزمة الاقتصادية الكبيرة في البلاد ويعتقدون أن الحزب ورط لبنان في هذا الصراع لتحقيق أهداف إيرانية على مستوى المنطقة. وقد يعتقد خصوم حزب الله أن حرباً إسرائيلية واسعة عليه ستُضعفه على نحو كبير وتقوض قدرته على التحكم بديناميكيات المشهد السياسي الداخلي. لكنّ مثل هذا الاعتقاد لا يبدو واقعياً. وتجربة ما بعد حرب تموز عام 2006 تُظهر بوضوح التداعيات الكبيرة لها على الداخل اللبناني من حيث قدرة حزب الله في التعافي منها بشكل سريع وتوظيف نتائجها لتأكيد شرعية سلاحه واستخدام هذا السلاح لعكس مسار السياسة الداخلية. واجتياح حزب الله لبيروت في عام 2008 مثال واضح على الكيفية التي تؤدي بها حرب لا تُضعف الحزب إلى إحداث خلل كبير في موازين القوى السياسية في الداخل اللبناني. 

إن الاستقطاب السياسي والطائفي الحاد الذي يعيشه لبنان في الوقت الراهن يعمل كعامل ضغط داخلي قوي على حزب الله وخيارته في هذه المواجهة مع إسرائيل. لكنّه يتعامل مع هذه المواجهة على أنه اختبار وجودي له قبل أن تكون تحدياً له على مستوى السياسة الداخلية. وسيتعين على مختلف الأحزاب السياسية في لبنان التعامل مع حرب إسرائيلية مُحتملة على لبنان من منظور الحاجة إلى التأكيد على ضرورة حياد البلاد في هذا الصراع الإقليمي. وإذا لم يُدرك حزب الله هواجس الفئات اللبنانية الأخرى من توريط لبنان في هذا الصراع، فإن الآثار الكبيرة لمثل هذه الحرب على الوضع الداخلي سيكون من الصعب التعامل معها في المستقبل. 

إقرأ أيضاً: