يعقد خمسة أحزاب رئيسية معارضة في تركيا اجتماعاً الإثنين للإعلان عن مرشحهم الرئاسي المشترك الذي سينافس الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويكتسب هذا الاجتماع أهمية على صعيدين، أولاً، تحول زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال قليشدار أوغلو إلى مرشح رئاسي مُعلن من جانب هذه الأحزاب، وثانياً، تدشين رسمي للتحالف الخماسي الجديد بعد انسحاب حزب الخير من التحالف السداسي. وقد أحدثت أزمة انفراط عقد التحالف السداسي هزة كبيرة على خارطة التحالفات الحزبية والمعادلة الانتخابين قبيل خمسة أسابيع فقط على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
حول السيناريوهات المحتملة للتحالفات الحزبية في تركيا في الفترة المتبقية للانتخابات وتأثير أزمة الطاولة السداسية على موازين القوى الانتخابية لكل من التحالف الحاكم وائتلاف المعارضة إلى جانب أحزاب معارضة أخرى كحزبي أكشنر والشعوب الديمقراطية الكردي، يتحدث الباحث في مركز تحليل السياسات محمود علوش في حوار مع قناة الميادين اللبنانية.
يقول علوش إن انسحاب الحزب الجيد من الطاولة السداسية يُشكل مقامرة تنطوي على مخاطر وجودية كبيرة للحزب الذي تتراوح قاعدته التصويتية بين سبعة وثمانية في المئة، لكنّ انفصاله عن الطاولة السداسية قد يؤدي إلى مغادرة بعض الأصوات فيه إلى حزب الشعب الجمهوري وعودة أصوات قومية إلى حزب الحركة القومية الأم، فضلا عن حرمانه من الوصول إلى عتبة السبعة في المئة المطلوبة وفق القانون الانتخابي الجديد لدخول البرلمان. سيشكل هذا السيناريو كارثة سياسية لميرال أكشنار.
ويُضيف علوش: “قبل بروز الانقسام داخل التحالف السداسي، كانت استطلاعات الرأي المستقلة تُشير إلى وجود فارق بسيط في نسب التصويت بين تحالفي الجمهور الحاكم والأمة المعارض بنسبة لا تتجاوز الخمسة في المئة رغم أن بعض الاستطلاعات أشارت إلى أن النسبة قد تكون أقل من ذلك. لكنّ هذه المعادلة التصويتية ستتغير في ضوء الانقسام الحاصل في جبهة المعارضة”
في الانتخابات المحلية التي جرت في عام 2019، حصل حزب أكشنار على ما يقرب من سبعة في المئة من أصوات الناخبين، وهي النسبة التي تُشكل القاعدة الشعبية للحزب. من شأن خروج أكشنار من التحالف السداسي أن تُقلص النسبة التصويتية له بحكم القاعدة الانتخابية للحزب الجيد وهي سبعة في المئة بافتراض أن التحالف الخماسي سيخوض الانتخابات من دون ضم أحزاب جديدة له. في حين انه من المستبعد على نطاق واسع أن تنضم أكشنار إلى التحالف الحاكم، فإن التحالف الحاكم سيتفيد من احتمال عودة الأصوات القومية من الحزب الجيد إلى حزب الحركة القومية الأم في حال تشقق الأول. كما سيستفيد من تقلص القاعدة التصويتية لتحالف الأمة وتفتت أصوات المعارضة، وهو ما يزيد من فرص الرئيس رجب طيب أردوغان في حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى.
ويقول علوش للميادين إنه في حال لم يتمكن أردوغان من حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، فإن الاعتقاد المرجح هو أن أصوات الحزب الجيد لن تُصوت له بطبيعة الحال في الجولة الثانية. لكنّ استراتيجية أكشنر بعد الانسحاب من الطاولة السداسية ستُساهم في تحديد نتائج موازين القوى في الجولة الثانية للرئاسة. في مثل هذا السيناريو، فإن التحالف الخماسي سيكون بحاجة إلى أصوات الحزب الجيد في الجولة الثانية ما يُساعد ميرال أكشنار في تقوية موقفها التفاوضي والحصول على قدر أكبر من المكاسب في اتفاق تقاسم السلطة مع الأحزاب الخمسة الأخرى.
علاوة على ذلك، سيبقى موقف أكشنار حيوياً للتحالف الخماسي في الجولة الثانية من أجل ضمان حصول أحزاب المعارضة مجتمعة على الغالبية البرلمانية اللازمة لتعديل الدستور وتغيير النظام الرئاسي إلى نظام برلماني مُعزز. في حين أن الأزمة التي ضربت التحالف السداسي أضعفت الحالة المعارضة عموماً، إلآّ أن خروج الحزب الجيد من التحالف السداسي يخلق فرصة للأحزاب الخمسة الأخرى لاستقطاب حزب الشعوب الديمقراطية الكردي وضمه إلى الائتلاف ليعود سداسياً. بالنّظر إلى ان القاعدة التصويتية للحزب الكردي تُقدر بين 11 إلى 13 في المئة من أصوات الناخبين، فإن جذبه للتحالف الخماسي لن يُساعد الأخير فحسب في تعوض الفراغ الناجم عن خسارة أصوات حزب أكشنار، بل سيُعزز قاعدته التصويتية على نحو أكبر. في مثل هذا السيناريو، ستتعزز فرص التحالف السداسي الجديد (على افتراض انضمام حزب الشعوب الديمقراطي إليه) في حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى. لكنّ سيناريو آخر يبدو مرجحاً وهو ان يُبرم التحالف الخماسي اتفاقاً تحت الطاولة مع حزب الشعوب الديمقراطية للحصول على أصوات ناخبيه في الانتخابات الرئاسية دون الحاجة إلى ضمه علناً إلى الائتلاف.
يبدو مثل هذا الخيار مغرياً بشكل كبير للتحالف الخماسي. على الرغم من أن التحالف السداسي (قبل انشقاق أكشنار) فشل في الانفتاح على التفاوض مع حزب الشعوب الديمقراطية الكردي بفعل موقف أكشنار المتشدد ضده، إلآ أن مصالح الأحزاب الخمسة الأخرى لا تزال تلتقي مع الحزب الكردي في هزيمة أردوغان في الانتخابات، ما يجعل من التعاون الانتخابي مصلحة للطرفين على حد سواء. علاوة على ذلك، فإن حزب الشعب الجمهوري وحلفائه من الأحزاب الأربعة الأخرى قد يجدون حرجاً في الدخول في تحالف علني مع حزب الشعوب الديمقراطية لأن ذلك سيُساعد أردوغان على تصوير تحالف المعارضة الجديد على أنّه أصبح أداة بيد حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً بالنظر إلى الاتهامات الموجة لحزب الشعوب بأنه الذراع السياسي لحزب العمال. مع أن النقاش حول احتمالية انضمام حزب الشعوب الديمقراطية إلى التحالف الخماسي بدأ يدور في الكواليس منذ لحظة مفاجأة أكنشر، إلآّ أن السؤال المهم يدور حول ما إذا كان الحزب الكردي سيمنح أصواته للتحالف الخماسي دون مقابل ولمُجرد التقاء المصالح بينهما على هزيمة أردوغان. بالنظر إلى أن حزب الشعوب انتقد سابقاً التحالف السداسي ووعد بتقديم مرشح خاص عنه للانتخابات الرئاسية، فإنه في حال لم يُحقق ما يُريده من أي شراكة مع المعارضة من مطالب مرتبطة بالحالة الكردية عموماً، فإنه من غير المرجح أن يمنح أصواته بشكل مجاني لتحالف المعارضة على غرار ما فعله في الانتخابات المحلية عام 2019 خصوصاً في إسطنبول، حيث أن مرشح المعارضة لرئاسة البلدية وقتها أكرم إمام أوغلو استطاع الفوز في الانتخابات بفضل الأصوات الكردية.
سيناريو آخر يتمثل بتقديم كل من التحالف الخماسي وأكشنر وحزب الشعوب الديمقراطي ثلاثة مرشحين للانتخابات الرئاسية، لكنّه ينطوي على مخاطر كبيرة على الحالة المعارضة عموماً حيث أنّه سيزيد من فرص الرئيس رجب طيب أردوغان في حسم الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى.
أما في حال عدم تمكن أردوغان من الفوز في الجولة الأولى، فإن تعاوناً مُعلناً أو غير مُعلن بين التحالف الخماسي وحزب الشعوب الديمقراطي قد يُساعد مرشح المعارضة الذي يعبر إلى الجولة الثانية على الفوز في الانتخابات الرئاسية. مع ذلك، فإن فرضية أخرى قد تؤدي إلى قلب المعادلات الانتخابية من جديد. يواجه حزب الشعوب الديمقراطية الكردي احتمال صدور قرار من المحكمة العليا بحله في القضية المرفوعة ضده وسيؤدي مثل هذا القرار قبل الانتخابات إلى حرمانه من خوضها بشكل قانوني، وبالتالي تفتيت قاعدته التصويتية. مثل هذا السيناريو قد يُساعد أردوغان في الحد من فوائد أي تعاون بين حزب الشعوب الديمقراطي والتحالف الخماسي على جبهة المعارضة. مع أن حزب العدالة والتنمية يجد صعوبة في استقطاب الحزب الجيد إلى التحالف الحاكم بسبب معارضة حزب الحركة القومية، إلاّ أن الشكل الجديد الذي يأخذه الاستقطاب السياسي في تركيا في ضوء هذه التحولات قد يفرز خارطة جديدة للتحالفات الحزبية. في كل هذه السيناريوهات، فإن الثابت الوحيد فيها هو ان الارتباك الكبير الذي يسود جبهة أحزاب المعارضة على اختلاف توجهاتها يصب في صالح أردوغان الذي أثبت قدرته في اللعب بمهارة على التناقضات السياسية والحزبية وتوظيفها لصالحه. على مدى عقدين من حكم أردوغان، كانت مقولة سائدة في السياسة التركية مفادها أن أردوغان محظوظ بمعارضة ضعيفة تفتقر القدرة على تقديم خطاب سياسي منافس ولا تتمتع بالمهارات التي يمتلكها في اللعب على تناقضات السياسة الداخلية. لقد أثبتت هذه المقولة أنها لا تزال تعمل.