تمثل الخسائر التي مُني بها حلفاء إيران في الانتخابات العامة اللبنانية بالنسبة للسعودية خبرا سارا، نادرا ما يأتي من بلد يتعاظم فيه دور طهران منذ زمن طويل، ويمكن أن يصب في مصلحة الرياض في صراع إقليمي على النفوذ. فخسارة حزب الله للأغلبية البرلمانية التي حققها هو وحلفاؤه في عام 2018 ردة إلى الوراء وانتكاسة للجماعة المدججة بالسلاح والقوة المهيمنة في لبنان منذ سنوات بدعم قوي من إيران الشيعية. وقد تصبح هذه الخسارة هدية للسعودية التي يغلب عليها السنة، إذ تتيح لها فرصا جديدة لإعادة توطيد النفوذ في بيروت. نفضت السعودية يدها من لبنان وابتعدت عنه إلى حد بعيد بعد أن أنفقت المليارات لكسب النفوذ، ولم تر شيئا سوى صعود حزب الله وتوسع نفوذ إيران الإقليمي عبر وكلاء آخرين أكثر قربا، بما في ذلك في اليمن والعراق.
ووسط مؤشرات على تجدد الاهتمام السعودي بلبنان، يعتقد محللون أن الرياض ستناور بحذر بدلا من العودة بالكامل إلى بلد لا يزال حزب الله الشيعي، الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني، أقوى فصيل فيه ويملك أسلحة يتفوق بها على الجيش الوطني نف سه. وبفضل حليفته حركة أمل احتفظ حزب الله بجميع المقاعد الشيعية في البرلمان. لكن بعضا من أقدم حلفائه، بمن فيهم ساسة دروز ومسيحيون، فقدوا مقاعدهم. وتمثل النتيجة ضربة للحزب الذي وصف نتيجة 2018 بأنها “انتصار سياسي وأخلاقي”. وعلى الرغم من أن حزب القوات اللبنانية المسيحية المتحالف مع السعودية، والخصم الرئيسي لحزب الله يشكل أقلية في البرلمان الجديد، فقد فاز بمقاعد. وفاز مسلمون سنة الذين يتشابهون معهم في التفكير أيضا بمقاعد.
وقال السفير السعودي في لبنان وليد بخاري إن النتائج “تؤكد حتمية تغليب منطق الدولة على عبثية فوائض الدويلة المعطلة للحياة السياسية والاستقرار في لبنان” في إشارة إلى حزب الله. ومع انقسام البرلمان، فإن هذه النتيجة تجعل من الصعب على حزب الله وحلفائه توجيه جدول أعمال تشريعي يتضمن انتخاب رئيس يخلف الرئيس ميشال عون، وهو مسيحي متحالف مع حزب الله، في وقت لاحق من هذا العام. وقال عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث ومقره الرياض، إن الانتخابات، من منظور سعودي، حسّنت الوضع في لبنان لكنها لم تحل مشكلة هيمنة حزب الله. وقال لرويترز إن السعودية ستتوخى الحذر ولن تقفز بسرعة إلى هذا المعترك. أتاح نفوذ حزب الله في لبنان ركيزة دعم أساسية لسوريا، وهي حليف آخر لإيران، وبات مصدر قلق لإسرائيل، التي خاضت معه حروبا عدة.
تمثل الخسائر التي مُني بها حلفاء إيران في الانتخابات العامة اللبنانية بالنسبة للسعودية خبرا سارا، نادرا ما يأتي من بلد يتعاظم فيه دور طهران منذ زمن طويل، ويمكن أن يصب في مصلحة الرياض في صراع إقليمي على النفوذ.
وبالنسبة للبنان، فإن عودة دول الخليج العربية، بقيادة السعودية، ستكون لها أهمية خاصة مع معاناته من انهيار اقتصادي مدمر، يعد أشد عوامل زعزعة الاستقرار في البلاد منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990. قال مهند حاج علي من مركز كارنيجي للشرق الأوسط إن ربع أعضاء البرلمان الجديد أو ما يزيد عن ذلك مناهضون بشدة لحزب الله ومتحالفون مع الرياض. وأضاف أن “الأقلية الكبيرة” داخل البرلمان الذي لا يحظى فيه أي طرف بأغلبية مطلقة سيكون لها تأثير. ومضى قائلا إن هذا “يتيح خيارات أمام السعودية. حلفاؤها في وضع أقوى مما كانوا عليه في 2018”. وتحول لبنان إلى جبهة في الصراع بين السعودية وإيران عام 2005في أعقاب اغتيال رفيق الحريري، وهو سياسي سني كان يمثل رمزا للنفوذ السعودي.
وأدانت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة في عام 2020 عضوا في حزب الله بالتآمر لقتل الحريري. وينفي الحزب أي دور له. وبعد حادث الاغتيال، دعمت الرياض نجل الحريري، سعد، وحلفاءه في مواجهة سوريا وحزب الله، مما أشعل نزاعا مسلحا في عام 2008 سيطر فيه حزب الله على بيروت. وانقلبت الرياض تدريجيا على الحريري عندما قدم تنازلات لحزب الله وحلفائه، واحتجزته لفترة وجيزة في السعودية عام 2017. وتنفي السعودية والحريري الاحتجاز الذي ترددت أخبار بشأنه على نطاق واسع. وبعد أن نبذت السعودية الحريري، برزت حزب القوات اللبنانية كحليف وثيق لها. وتمثل مكاسبه الانتخابية تحديا لمكانة الحليف المسيحي الرئيسي لحزب الله، وهو التيار الوطني الحر بزعامة عون، كأكبر فصيل مسيحي.
وكان الحريري قد أعلن في يناير كانون الثاني الماضي أنه سيبتعد عن السياسة. وبعد أن خرج من المعترك، انقسمت المقاعد السنية بين حلفاء حزب الله ومعارضيه، ومن بينهم صقور المعارضين. وقالت إيران إنها تحترم نتيجة الانتخابات اللبنانية. وقال مسؤول إيراني لرويترز إن النفوذ الكبير لحزب الله في لبنان يعني أن حلفاء إيران لن يفقدوا قوتهم. وأضاف المسؤول “من السابق لأوانه القول إن هذا التصويت سيترتب عليه ضعف جماعة قوية ومؤثرة مثل حزب الله في لبنان أو ضعف موقف ايران في الشرق الأوسط”.
* مقارنات مع العراق
أثارت النتيجة مقارنات مع العراق، الذي أسفرت الانتخابات التي أجريت فيه في أكتوبر تشرين الأول وسط غضب شعبي من الفقر والفساد عن أداء ضعيف للفصائل المدعومة من إيران. ولا يزال العراق يعاني حالة من الشلل السياسي منذ ذلك الحين، وهو سيناريو يعتقد كثير من المحللين أنه بانتظار لبنان الذي يعد نظامه الطائفي انعكاسا للوضع في العراق، لكن اللبنانيين لن يتمكنوا من تحمل مثل هذا السيناريو مع تزايد الصعوبات. لا تعتقد سنام وكيل، المحللة في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية البريط انية بأن إيران ستُفَاجَأ بالنتيجة. وقالت “بالنسبة لطهران، خاصة بعد النتيجة غير المريحة للانتخابات العراقية، يتمثل التحدي الأكبر في الطريقة التي تضمن بها أن نتائج الانتخابات” تحمي مصالحها. يأتي ذلك في وقت تجري فيه السعودية وإيران محادثات مباشرة في محاولة لاحتواء التوتر عبر خمس جولات من المحادثات استضافها العراق حتى الآن.
ورحب طارق الحميد الكاتب السعودي في جريدة الشرق الأوسط بنتائج الانتخابات في لبنان والعراق لكنه أضاف أن “الطريق طويل”. وقال نبيل بومنصف، نائب رئيس تحرير جريدة النهار، إن لبنان لا يمثل على ما يبدو أولوية قصوى للسعودية مقارنة بالسنوات الماضية. لكنه أضاف أن لبنان “بلا شك” أولوية بالنسبة لإيران.