موجة الحر الشديدة في جنوب آسيا تنذر بخطر قادم

مارس/ أذار الماضي كان الأعلى حرارة في الهند على الإطلاق منذ بدأت البلاد تسجيل درجات الحرارة عام 1901، فيما كان أبريل/نيسان الأكثر حرارة على الإطلاق في باكستان وأجزاء من الهند. الآثار توالت على نطاق واسع: ذاب نهر جليدي في باكستان، ما أدى إلى حدوث فيضانات في اتجاه مجرى النهر، وتسببت الحرارة المبكرة في احتراق محاصيل القمح في الهند

زادت احتمالات هبوب موجة حر مدمرة مماثلة لتلك التي عصفت بالهند وباكستان في الأشهر الأخيرة، جراء التغير المناخي، وفق دراسة نشرتها مجموعة دولية من العلماء ، وهو- بحسب العلماء- قد يعطي لمحة عما يحمله المستقبل للمنطقة. مجموعة ”ورلد ويذر أتريبيوشن” المعنية بالمناخ، قامت بتحليل البيانات المناخية وقالت إن ظهور موجات حر مبكرة طويلة لها تأثير على منطقة جغرافية هائلة أمر نادر، قد يحدث مرة كل قرن. غير أن معدل الاحتباس الحراري الراهن والذي يسببه التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري، ضاعف احتمالات حدوث موجات الحرارة تلك، ثلاثين مرة.

قالت البروفيسور أربيتا موندال عالمة المناخ والأستاذ بمعهد الهند للتقنية في مومباي والذي شارك في إعداد الدراسة، إن حرارة الأرض إذ زادت بمعدل درجتين مئويتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإن موجات حارة كهذه قد تحدث مرتين كل قرن بل وربما قد تتواتر مرة كل خمس سنوات، هذه دلالة على أشياء سوف تحدث مستقبلا”.  خرجت النتائج متحفظة: حيث قال تحليل نشره مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة ، إن احتمالات هبوب موجة الحر تزايدت أكثر من مائة ضعف بسبب تغير المناخ، ومن المرجح أن تتكرر درجات الحرارة الحارقة كل ثلاث سنوات. 

يختلف تحليل”ورلد ويذر أتريبيوشن” لأنه يحاول حساب كيفية تزايد احتمال ظهور جوانب معينة من موجة الحرارة- مثل طول الموجة الحارة والمنطقة المتأثرة- بسبب الاحترار العالمي. قالت فريدريكه إيلي لويزه أوتو، عالمة المناخ في كلية ”إمبريال كوليدج لندن” والتي شاركت أيضا في الدراسة: ”ربما تكون النتيجة الحقيقية في مكان ما بين نتائجنا وبين نتائج مكتب الأرصاد الجوية (في المملكة المتحدة) لمدى تأثير تغير المناخ على (تزايد احتمال)هذا الحدث”. لكن المؤكد هو الدمار الذي أحدثته موجة الحر.

مارس/ أذار الماضي كان الأعلى حرارة في الهند على الإطلاق منذ بدأت البلاد تسجيل درجات الحرارة عام 1901، فيما كان أبريل/نيسان الأكثر حرارة على الإطلاق في باكستان وأجزاء من الهند. الآثار توالت على نطاق واسع: ذاب نهر جليدي في باكستان، ما أدى إلى حدوث فيضانات في اتجاه مجرى النهر، وتسببت الحرارة المبكرة في احتراق محاصيل القمح في الهند، ما دفع البلاد لفرض حظر على التصدير لدول تعاني من نقص الغذاء بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، كما أدى إلى ارتفاع مبكر في الطلب على الكهرباء في الهند مما أدى بدوره لإستنزاف احتياطيات الفحم، والذي نتج عنه نقص حاد في الطاقة يؤثر على الملايين، ثم هناك التأثير على صحة الإنسان. 

مات ما لا يقل عن 90 شخصا في البلدين، لكن تسجيل الوفيات غير الكافي في المنطقة يعني أنه من المحتمل أن يكون هذا أقل من العدد الحقيقي. تعد جنوب آسيا المنطقة الأكثر تأثرا بالإجهاد الحراري، وفقا لتحليل أجرته وكالة الأسوشيتدبرس لمجموعة بيانات نشرتها كلية المناخ بجامعة كولومبيا. الهند وحدها موطن لأكثر من ثلث سكان العالم الذين يعيشون في مناطق تتصاعد فيها درجات الحرارة المرتفعة. يتفق خبراء على أن موجة الحرارة تؤكد حاجة العالم ليس فقط لمواجهة التغير المناخي بتقليل انبعاثات الاحتباس الحراري، ولكن أيضا بالتكيف مع آثاره الضارة في أسرع وقت ممكن.

الأطفال وكبار السن هم الفئات الأكثر عرضة لخطر الإجهاد الحراري، ولكن تأثيره أكبر أيضا بشكل غير عادي على الفقراء الذين ربما لا يستطيعون الحصول على التبريد أو الماء وغالبا ما يعيشون في أحياء فقيرة مزدحمة تكون أكثر حرارة من الأحياء المحاطة بالأشجار والأكثر ثراء.

حاولت بعض المدن الهندية إيجاد حلول. وكانت مدينة أحمد أباد الواقعة غربي البلاد هي الأولى في منطقة جنوب آسيا التي صممت خطة تعود إلى عام 2013 لحماية سكانها الذين يزيد عددهم عن 8.4 ملايين نسمة من موجة الحر. تشتمل الخطة على نظام إنذار مبكر يخبر عمال الصحة والسكان بالاستعداد لموجات الحر، ويمكن الإدارات من إبقاء الحدائق مفتوحة حتى يتظلل السكان بها وتوفير المعلومات للمدارس حتى تتمكن من تعديل جداولها. تحاول المدينة كذلك ”تبريد” الأسقف باستخدام مواد متنوعة لامتصاص الحرارة بشكل مختلف.

قال الدكتور ديليب مافالانكار رئيس المعهد الهندي للصحة العامة في مدينة غانديناغار بغرب الهند والذي ساعد في وضع خطة 2013، إنهم يهدفون لبناء أسقف تعكس أشعة الشمس وتخفض درجة الحرارة في الداخل باستخدام طلاء أبيض عاكس أو مواد أرخص مثل العشب الجاف.

معظم المدن الهندية أقل تجهيزا، وتعمل الحكومة الفيدرالية في الهند حاليا مع 130 مدينة في 23 ولاية معرضة لموجات الحر في أنحاء الهند لتطوير خطط مماثلة. في وقت سابق من الشهر الجاري، طلبت الحكومة المركزية كذلك من الولايات توعية العاملين في مجال الصحة بشأن التعامل مع الأمراض المرتبطة بالحرارة والتأكد من توفر أكياس الثلج وأملاح الإماهة الفموية وأجهزة التبريد في المستشفيات. لكن مافالانكار الذي لم يشارك في الدراسة أشار إلى عدم وجود تحذيرات حكومية في الصحف أو التلفزيون لمعظم المدن الهندية، وقال إن الإدارات المحلية لم ”تستيقظ بعد على حرارة الجو”.

إقرأ أيضاً: